سيد أحمد الحردلو

1940-2012 / السودان / ناوا

بكائية على بحر القلزم - Poem by سيد أحم

أغني لتلك السواحلِ
يمضغها الرملُ
يأكلها وجع'' من بطونِ التواريخِ
اتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ
تغزلُ من موجهِ خيمةً
يستريح بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ
أغنّي وصوتي مئذنة'' حملتها الرّياحُ
تُزفزفُ من آخرِ الزمنِ الآسيويِّ
فريح'' تُدحرجها للوراءِ
وأُخرى تلوذ بها للأمامِ - الذي
يتحصنُ بين الشذى والبهارْ
أغني لرملِ السواحلِ
احتشدتْ فيه أشباحُ عشاقِ عصرٍ
من النورِ كانَ
وإنّ عصورا من النورِ سوف
تجيىءُ .. مع النورسِ القُلْزُميِّ
ومن كلِّ صوبٍ وحدبٍ
مع الخيلِ والليلِ .. والفرحِ المستجيشْ
أغني لرملِ السواحلِ
والصوتُ يَعلو .. ويَسمو
وينثالُ فوق القراميدِ
يُدلج في البحرِ
يضربُ في البِّر
حتى إذا أدركته المرافىءُ
حطَّ لكي يستريحْ
يساورني
حين ألقاكَ نهباً مباحاً لكلِّ قراصنةِ البحرِ
كلِّ لصوصِ أُوربا
وكلِّ نفاياتِ آسيا - بكاءْ
فأمتشقُ السيفَ والنصلَ
أغزوكَ
أغزو المروءةَ فيكَ
وأغزو البطولةَ فيكَ
وأنتهرُ الخيلَ كي تستفيقَ
وأنتهرُ العربَ القدماءْ
وأخرجُ فيكَ بجيشيَ
لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه
جندُه باع دنياهُ
واقتحم الموتَ
منتظراً في الحدودِ الإشارةَ
حشداً من الشهداءْ
فقُمْ .. أيها البحرُ
قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ
لنعطي الاشارةَ
للواقفين صفوفاً .. كُتوفاً
من البابِ للبابِ
بالسيفِ والنصلِ والكبرياءْ
فها هي ذي السُفنُ العربيةُ
تنشرُ فوق البحارِ القُلوعَ
تعود محملةً بالتوابلِ والعاجِ والعطرِ والآبنوسِ
من الهنِد والبونِت
طالعةً في أعالي البحارِ
وهابطةً في المرافىءِ بالفوز والربحِ .. والانتصارْ
وهاهُم على ساحليْكَ يعودون
رُوماً .. وفُرساً
بطالمةً .. ويهودْ
وها هو أبرهةُ الحبشيُّ يحصر مكةَ بالمنجنيق
وبغدادُ - حاضرةُ الشرقِ - مذبوحةُُ للوريدْ
وهاهي كلُّ مداخلك الآنّ مسدودة'' بالمغولِ
وكلُّ مخارجك الآنّ محروسة'' بالتتارْ
فقُمْ .. أيها البحرُ
قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ
لنعطي الاشارةَ
نعطي البشارةَ
للواقفين صُفوفاً .. كُتوفا
من البابِ للبابِ
يمضُغهم وجعُ الانتظارْ
أغني لرمل السواحلِ
يا أيُّها الوجعُ المستبد بنا
أيُّها المستبيحُ مراقدَنا
مثلما تفعل النارُ في الأرضِ
حين تمورُ
كما الشوقُ في القلبِ حين يروادنا العشقُ
أو نتداركه في خريفِ الزمانْ
أما حان أنْ يطلع البدرُ فينا
فنلقاهُ عند الثنياتِ
بالدُّفِّ والكفِّ .. والمهرجانْ
نشيلُ البيارقَ
تِلوَ السيوفِ
وفوق الكتوفِ
ندوسُ بها فوق جيشِ المغولِ
الذي استراح
وقد استباح رمالَ السواحلِ
يمضُغها وجع'' يستبد بنا
كلَّ آونةٍ من أوانْ
أغني لرملِ السواحلِ
صوتي مشتعل'' كصهيلِ جوادٍ من الحُلمِ
من أولِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي
من آخرِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي
من كلِّ نجدٍ من الزمنِ
القُرشِّي اللسانْ
أغني لرمل السواحلِ
متكئاً فوق سَجادِه العربيّ
أشاهدُ وجهَ عليّ
وخالدَ بن الوليدِ
وطارقَ بن زيادَ
وأيوبَ مصرَ
وعنترةَ العَبَسيّ
أشاهدُ جيشيَ لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه
فَيْلق'' في الخليجْ
فَيْلَق'' في المحيطْ
فَيْلَق'' في البحارْ
فَيْلَق'' في الديارْ
فأمتشقُ السيفَ يقطُر من دمه الأجنبيّ
وأعبُر بابَ الجزيرةِ
والكونُ تحت سنابكِ حيليَ .. وبين يديّ
أغني لرمِل السواحلِ ما شهدته السواحلُ
ما وشوش الموجُ
ما فعل الفوجُ .. بالأوّلينْ
فينفلقُ البحرُ
إنبهل الطودُ .. وانسدل الموجُ
وارتحل البحرُ .. بالآخَرِينْ
أغني لتلك السواحلِ
يمضُغها الرملُ
يأكلها وجع'' من بطونِ التواريخِ
إتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ
تغزلُ من موجه خيمةً
يستريحُ بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ
148 Total read