سلاما.. أختّ يافا حدّثينا، وعن يافا الحزينة خبّرينا
لقد كانت لنا أرض.. وكان وكانْ
لبيّاراتُنا قُداحُها الأرجُ
وقريتُنا تضمّ الاقحوان ضحىً.. وتختلجُ
وحلَّ بأرضنا الطاعون والطوفانْ
وحوّم فوق قريتنا غرابٌ أعورٌ فَلِجُ
وكانَ.. وكانْ
وذبَّحَ أخوتي قرصانْ
ولم يدفنهمو أحدٌ
ولا خِيطتْ لهم أكفانْ
ولم يحزن لهم أحَدُ
وقالوا.. ما يزال بغرستي قُداحُها الأَرجُ
وأرواحُ الأحبة من ضحايانا.. تحِف بها وتختلجُ
وفي صحرائنا الطوفانْ
يسيل بنا فنَرتعدُ، ونبتعدُ
وتومضُ من بعيدٍ واحة الغفرانْ
ذكرتُهمو.. وقد قطعوا يديها
وقصّوا ثديَها وجديلتيها
هو الحُلمُ
أم الأحزانُ تزدحمُ
فتختلط المشاهد.. أم هم التترُ
أتوا مع بعد أحقابِ
أمِ التاريخ يُختَصرُ
يدا أمي مصلّبتانِ بين الكرم والتينِ، على زيتونةٍ حمراءَ في الغابِ
واسمعُ صوتَ طارقةٍ على بابي
تدقُ.. وصوت أمي من وراء القبر يأتيني
ومن أعماقِ سينينِ
تصاعدَ صوتُ أصحابي، تَهَّدج إذ يناديني
وحبات الرمال تئِزُّ.. تضطرمُ
ألا لبّيك يا أمي
ويا أهلي وأحبابي
نداءُ الأرض يدعوني
وقد لبّيتها.. واتيتُ انتقمُ
وأثأرُ للملايينِ
ذكرتهمو.. وقد حملوا الشهيدا
وراحوا يعبرون به الحدودا
ورحتُ أطير في الآفاقْ
أطوفُ في السماواتِ
وكنتُ قُبيل ساعاتِ
أقاتلُهم.. فينبجسُ الدم الدفّاقْ
وتشربُه الرمال.. فيهدأ النبضُ
وتزدحم الرؤى.. وتضمّني الأرضُ
أحسُ بصدرها الدافئ يهدهدني
أحسُ بها تعانقني
فأغفو.. ثم أصحو بعد لحْظاتِ
ورحتُ أطير في الآفاقْ
أطوف في السماواتِ
أُطلُّ على ذرىً.. وأزور واحاتِ
فألمح غرسة الزيتون تنتظرُ
وأسمع نخلةً عذراءَ تعتذر
وأشهدها محَّملةً.. أرى الأعذاقْ
تميسُ مع الرياح.. فيهطل المطرُ
رأيتهمو.. وقد حملوا الشهيدا
وراحوا يعبرون به الحدودا
وقد ربيتُهم.. فتعهّدوني
وكنت أحبُّهم.. فتعشِّقوني
أُحسُّ بهم على صدري
مع الأنداء والفجر
فيغمرني الحنان وانتشي بِهمُو
وأهدأ كلما خطرت لهم قدم
على جسدي.. وأبتسم
وعربدت الرياح.. فأنّتِ الأشجار ترتعبُ
ومزَّقَ وجهيَ الأغرابُ.. فالاعشابُ تنتحبُ
وقلت لعلّه الطوفان.. قد أزِفا
ورحتُ أضمِّد الجرح الذي نزفا
واستسقي من الأعماق بلسمها وأرتقبُ
وجاءوا مثل وقع الطلّ في الصبحِ
يمّسدُ خطوهم جُرحي
ويحتضنون أعراقي فابتسمُ
وأدرك أنهم جاءوا لينتقموا
وأعرف أنني ما زلت أُمّهمو
وقد ربّيتُهم.. فتعهّدوني
وكنت أحبُّهم.. فتعشِّقوني
سلاماً.. ارضَ يافا.. هدّنا السَفَرُ
سلاماً يا أهالينا
سلاماً.. يا بيوت الحي.. حيّاك المحبونا
حزيناتٌ ليالينا
وليس بأفقنا نجمٌ ولا قمرُ
ومجدبةٌ مراعينا
وبيّاراتنا صفراء تنتحرُ
مقَطّعَةٌ أيادينا
وفوق قلوبنا صَخَرُ
ممرَّغةٌ نواصينا
فلا فخرٌ.. ولا عزٌ.. ولا زهوٌ.. و.. ولا كِبَرُ
مسممة سواقينا
وماءُ عيوننا كدِرُ
كأنَّ عذابنا قدرُ
ولكنّا سننتصرُ
سننتصرُ
لان ارادةً فينا
قضت : أنَّا سننتصرُ
لأنَّا، وحدنا، القدر
وقالوا : إنَّه قدرٌ.. وهانوا
فلا عاش الذليلُ.. ولا الجبانُ