أتوب، وأدعو، وأستغفرُ
وأخلصُ لله ما أَضمرُ
وأستعجل الله يوم المآبِ
ويومَ خلائقهُ تُنْشرُ
إذا قيل موعده «الغوطتان»
وموقع جنّته «دُمّرُ»
فإن لم يكن «برَدَى» كوثري
فيا ضيعة العُمر يا كوثرُ
تفجّر من صخره السّلسبيلُ
وضوّع من ليْلهِ العنبرُ
ومرّت يدُ الله فوق روابيـ
ـــه، تُنْمي الكرومَ وتستقطرُ
وتجعل من «برَدَى» دنّها
وتسكبُ فيه الذي تعصرُ
فديْتُكَ يا «برَدَى» ما جريْتَ
تغنَّيْتَ بالحب إذ تهدرُ
تجُبُّ عيونُك سحْرَ العيونِ
وتحسدُ روْنقكَ الأنهرُ
على درجاتك طال الربيعُ
وطاف بك الصحبُ والمعشرُ
أكان الملائكُ إلا ذويكَ
وهم فلقُ الصبح أو أطهرُ
لهم همةٌ تتحدى الزمانَ
وعزمٌ على الدهر لا يُقهرُ
كم انسربوا في شعاب الوجودِ
وكم علَّموه، وكم عمّروا
وكم أزّ من جهدهم مصنعٌ
وكم عزَّ من كدِّهم متجرُ
وضوّع من عَرْفهم مسرحٌ
وأبدع من عزفهم مزهرُ
وأينع من غرسهم فنُّ مصْرَ
وغنّى بشعرهمو المهجرُ
دمشق، وماذا تكونُ الجِنانُ
سواكِ، إذا أذّن المحشرُ؟
وما الفِتنُ الحورُ إلا بناتُكِ
والشهدُ من ثغرها يقطرُ
وقد هشَّ لي البَرَدُ اللؤلؤيُّ
وبشّ ليَ الكرزُ الأحمرُ
وطالعني الوردُ، وردُ الشباب
وداعبني الفاتنُ الأحورُ
ورفرف لي خلف بيض الجوانح
قلبٌ هو الفستقُ الأخضرُ
تُهامسني بالذي يُسْتَرُ
وتومئ لي بالذي يُضْفَرُ
وتهتفُ بي من حجابِ الحياءِ
تقول: أتى الشاعرُ الأسمرُ
وراحت تعاتبني أن تغيَّبْتُ
حوْلاً، هو العمرُ أو أكثرُ
فقلتُ لها: ما شعرتُ بِبيْنٍ
فقلبي على البيْنِ لا يَقدرُ
تركْتُكِ من مهرجانٍ مضى
وحبُّكِ بالقلب مستأثرُ
وقد عشتُ بعدك من غير قلبٍ
فكيف بِبُعدكِ أَستشعرُ؟
فقالت: لنا الله في خافقيْنا
أقلبُكِ في حيِّنا يخطرُ
وقلبي هناك على الشاطئيْن
من النيل يفتنهُ المنظرُ
يُحلّقُ من بُرج «بنتِ الـمُعزِّ»
فيبهرهُ ما بنى «جوهرُ»
وتُصْبيه معجزةُ الأوّلينَ
وما خَلَّدتْ فنَّهُ «الأقصرُ»
ويأخذه التيه من فتيةٍ
يِناؤهمو الهرمُ الأكبرُ
وتسْحرهُ لمعاتُ المآذنِ
والعلمُ والنورُ والأزهرُ
وما شاقني مثل ما شاقني
حديث من المجد لا يَفْترُ
حديث الأولى في سبيل العروبة
لم يب لم يبخلوا بالذي أمهروا
وباعوا الحياة وأوهامَها
وهاموا بأوطانهم فاشتروا
عروبةُ يا وطن الخالدينَ
ويا من تغنَّتَ بها الأعصرُ
وقام على صخرها «مأربٌ»
ونامت على حجرها «تدمرُ»
نميْتِ على أرضكِ الأنبياءَ
فعزَّ الوجودُ بما بشّروا
وأوفى بعهدك من أسلموا
ومن نصروا الله واستنصروا
وما شاب حْسْنَكِ إلا اليهود
ولا شاه إلا الذي دبّروا
لقد ملأ «النقْب» رهطُ «النضير»
وعادت بآثامها «خيْبرُ»
وقامت لهم دولةٌ في السِّفاحِ
دعامتها الخمر والميْسرُ
فما لسمائكِ لا تستعيذُ
وما لرمالكِ لا تنفرُ
وما لرجالكِ لا يغضبون
وما لسيوفكِ لا تُشهرُ؟
أما آن للأرض أن تُستردَّ
وآن لأهلك أن يثأروا؟
عروبة، يا من صَهرْتِ الشعوبَ
وعاش لُبابكِ لا يُصهرُ
وفاز بكِ «الكرْدُ» «و«الصادقون»
ولاذ بك الزَّنجُ والبربرُ
وألقى الفراعينُ طاغوتهم
وحجُّوا لذاتكِ واستغفروا
سليني، فعندي تواريخُ مصرِ
وفيها لكِ الأثرُ الخيّرُ
لَكمْ لجَّ في تُرْبها فاتحٌ
وأَوْغلَ طاغٍ ومستعمرُ
تخطّر «قمبيز» في أرضها
وأعقبهُ الفحلُ «إسكندرُ»
ونامت على عرشها «كليوباترا»
وهوّم في بحرها «قيصرُ»
وهمُّوا بصبغة أخلاقها
بلون الغزاةِ، فلم يقدروا!
إلى أن أتى الفارسُ العربيُّ
فأدركها صُبْحها الـمُسفرُ
وألقى «المقوقس» مفتاحها
إليه، ودان له العسكرُ
وما كان فتحًا ولكنه
كما يشرقُ الأملُ الـمُزهرُ
شعاراتهُ الباقياتُ: التحررُ
والسّلْم، والعملُ الـمُثمرُ
وآياتهُ البيناتُ: السماحةُ
والعدلُ، لا اللونُ والعُنصرُ
أجل، ذاك موسمنا يا دمشقُ
وفيه خريفُكِ يخضوضرُ
وأنتِ إذا لم تكوني الجِنانَ
فإنك من رُوحها عبقرُ
مشينا إليكِ مع المهرجانِ
خطى المؤمنين إذا كبّروا
نردُّ زمانكَ يا «بحتريُّ»
ونُعلي مكانكَ يا منبرُ
ونتلو من الشعر ما يستطابُ
ونسمعُ منه الذي يُسكرُ
أجل، ذاك ميعادنا يا دمشقُ
وموسمُه عيدُنا الأكبرُ
وما مهرجانُكِ إلا الحساب
لمن قدّموا الخير أو أخّروا
رعى الله من قومنا فتيةً
مشوا للجهاد، فما قصّروا
ولكن تلاقوْا على دعوةٍ
ينُادي بها الثائرُ الأسمرُ