رياض الصالح حسين

1954-1982 / سورية / درعا

أساطير - Poe

نهر. نهر. نهر
أكسّر بالحصى مصابيح عينيك
و أفترش صخرة العتمة
أحلم بأن يديّ نهاران
و رأسي شجرة ليمون
و جسدي مزرعة للعدس
نهر. نهر. نهر
نهر من القرنفل و العشاق و العصافير الشاردة
و صديقتي لؤلؤة قمحية مخبأة في تابوت
نهر. نهر. نهر
نهر من الرماد و القتلى و المدن المهزومة
و صديقتي تضع جبينها على الوسادة و تبكي
نهر. نهر. نهر
نهر من الغضب اليابس و القبضات الصدئة
و صديقتي تفرّ إليّ سربًا من الذعر
و تختلط بي
النافذة و الرصيف
تدخل الشمس من النافذة كملكة
من النافذة يدخل الغبار كعنكبوت
حبيبتي تطلّ من النافذة
و من النافذة أرقب شلاّلات النجوم
من النافذة تترجل رصاصة بمهابة
و تخترق جسدي بكبرياء
أتدلى من النافذة بعينين عشبيتين
و أقفز بارتياع في بحر الأرصفة
زهرة بريّة لعيني نيرون
أنا المقيّد المنتشر
أسطحة ذاكرتي تراب
أحمل لحبيبتي أقراط اللوز و أساور العنب الأسود
زهرة بريّة لعيني نيرون
سيّد الخراب و القصور الجائعة
و مثلما الأفراح النارية تختلج على قيثارته اليتيمة
أختلج على أوتار حبي
مشنوقًا بأوراق الزيزفون و غبار المدينة المتهدمة
افتحي لي بوابة النهر لأغتسل
اغلقي خلفي نافذة اليباب لأنام
امتلكي دهشتي و خطاي
قبل أن أصبح دمية محطمة
ادخلي فضاء قلبي
كوكبًا مائيًّا صغيرًا
و مزّقي رئتي بالقبلات
فأنا المنفتح شراعًا فوق مركبة الخذلان
أحمل لنيرون زهرة بريّة بيدي اليمنى
و باليسرى أقبض على جمجمة البحر المتفتتة
و من شفتي تسيل ملكة الحزن و الانكسار
و أمام مذبح الوقت
أعرّي أجيالي بغبطة
أغسلها بلفائف التبغ و مقصلة الكلمات
ليغتصبها هيكلي الجوعيّ قطعة قطعة
كان وقتًا جميلاً
لم يكن وجهها بيدرًا
حين بعثرني الوقتُ
قلتُ لها: أنت لي
و أخذتُ رمادي من الشرقِ و الغربِ
من جهةٍ صلبتني
و من جهة أمسكتْ خطوتي قبل أن ألمسَ النهرَ
أعطيتها جسدي و بطاقةَ حبّ ملوّنةٍ
و بكيت قليلاً على صدرها الشجري
رحلتُ. وقفتُ
ليس لي غير صوتي و نافذة و ترابْ
ليس لي غير هذا الغبار الصغير
سيخنقني جسدي
الآن تأتين مقصلة و يباب
إقرع الكأسَ بالكأسِ
موعدنا جثتان
إقرع اليأسَ باليأسِ
مدّدني جبلاً في الطريق
فشاحنة أينعت في فمي
وردة و مصابيح ذئبية
و جزيرة موت
و لا أنتهي
كان وقتًا جميلاً جميلاً
ضفة و رمال، و مشنقة تتدلّى
و شاخصة (سيدي) لن تش
كانت الأرض عرسًا بسيطًا
و ها جثّتي في يديّ كحبة توتْ
و بحارة ينشدون
لقد كنت قنبلةً يا حبيبي
تفجرني، و تموتْ
لوسيفورس يقشر برتقالة البحر:
أصعد النافذة المفتوحة على ثديي قروية ترضع الأرض
شفتاي مكبلتان بالسخام و تعب الصحراء
أصعد، حاملاً المدينة تحت إبطي
بيوتًا ملطخة بالقهر و الابتسامات الباردة
أرى
لو سيفورس يقشر برتقالة البحر
أنتحب بين يديه
لو سيفورس، اعطني سكينك و خذ جسدي
- لو سيفورس، اعطني قدميك و خذ ذاكرتي
الطافحة بالأسماك الجميلة الميتة
- لو سيفورس، اهدني مسدسًا أثقب به
جمجمة الليل أو اهدني موتًا حقيقيًّا
فلمّا أزل متوغلاً في نفق البكاء
أترك أثرًا، زنبقة في صدر امرأة، و أموت
و لمّا أزل أستلقي على أرصفة الدنيا
أحلم كخروف بالحشائش و التبغ و الجدران الخمسة
و في الصباح أترك أثرًا، بقعة دم متجمدة
و أموت
الرسائل أيضًا
أدسّ فيها زهور اللوتس و جوعي
و أوزّعها على بريد العالم
فيرسلون لي في طرد مضمون قنبلة ناعمة
تنسفني، و أموت
لو سيفورس
هل رأيت الشمس و هي تتدلى من حبل مشنقة؟
لقد كانت أمي تحبها كثيرًا
و تطرز لها في الشتاء قميصًا من خيوط شجرة عينيها
هل تعرف أين تختبئ الأقمار القديمة؟
مرّة فتحت تلميذة صندوقها الخشبي الصغير
الذي تضع فيه كتبها المصوّرة
و كنت أختلس النظر كقط ذكي
فرأيتها
عشرة أقمار
عشرة أقمار صغيرة لامعة
صورة: - لوسيفورس يأكل برتقالة البحر
صوت: -لوسيفورس، أطعمني، فأنا جائع
المهدورة
تنبئني امرأة كبريتية
فمها وكر للخفافيش و الأسلاك الشائكة
- زمنك المتقدم على قدمين من زجاج
سينكسر قبل أن يصلك
تنبئني امرأة طائشة
- زمنك المنكسر يأتي إليك بلا أيام
محمّلاً بالتوابيت و بطاقات التعزية
تنبئني امرأة تدخن الماريجوانا
في مقهى البحر المتوسط
- زمنك الميت، مكتئبًا يسير في أزقة المدينة
يسأل عنك الأرصفة الرطبة
و يفتش في جيوب الشحاذين عن عنوانك المحترق
ينبئني زمني
- امرأة تخبئ في عينيها كلّ الأفراح
المهدورة و الأعراس الممزقة
قادمة من بين يديك
فاستقبلها
مطر أشقر و فرس زرقاء
و جثتي في الشارع وحيدة
و ما زلت أكتب العصافير على ورق الجدران
و أرسم تفاصيل حبيبتي الكئيبة
مدن من زهر النعناع
و قرى من نفايات المدينة
جثتي في الشارع وحيدة
و أنا أصرخ في بوق الريح
أيها الزمن السيء، أيها الزمن اللعين
يا رغيفًا من حشرجات و وطاويط
ألم تر حبيبتي الكئيبة
سمراء. قمحية. مدمرة. بحر
ملفوفة بالأعشاب و الغيوم الكتيمة
عيناها سمكتان و نهدها غزالة
و سلّم سترتها طويل
درجة أولى و ساعتي رطبة
ماذا تطلب أنت؟
- زجاجة بيرة و صحنًا من الأحزان المقلية
قصائد مملحة بجوع الفقراء
و أشجارًا مبادة بالأسلحة الكيميائية
تعلّم، إذن، كيف تحب العالم
تعلّم كيف تبتلعه
درجة ثانية و سلّم سترتها طوي
لا تصعد هذا الوجع
قد تطلع من الحائط نسمة بحجم جبل
قد يخرج خرتيت من بطن خزانة محشوّة
بالثياب الفرنسية موديل 2000
و ربما يطل برأسه ديناصور رهيب
من كتاب يتحدث عن الحب و الأزهار
إقرأ كتاب النار و لا تشتعل
دخّن لفائف قهرك الرخيصة
فالدرجة الأخيرة آتية
و سلّم سترتها طويل
ضمّد جراحك بالأرصفة و رسائل المساجين
فمعدن حبيبتك مزوّر
و أنت لم تتعلم فن الضحك في مدرسة
دريد لحام
و لم يعلمك أوفيد فن الحب
إنسان بسيط أنت
تريد أن تأكل و تتزوج و ترقص!
جسد حبيبتك شمس
إذا اقتربت منها ستحترق
كفّا حبيبتك مدينتان
إذا دخلتهما ستصاب بالانفصام
شفتا حبيبتك رغيفان
إذا أكلتهما ستصاب بالتخمة
مطر أشقر و عيون زرقاء
و أنتِ ممددة على معطفي الممزق
المدينة نائمة و نحن وحيدان
.و سندريلا في ردائها الطويل تطارد المذبحة
أنا جائع جائع
كعصفور على صخرة نائية في بحر متسع
و لكني لا أريد أن أموت
أنا مقهور مقهور
كورقة صفراء لم تأخذها الريح في الخريف
و لكني لا أريد أن أسقط في الفراغ
أنا معذب معذب
مثل ديك بعنق مقطوع يركض في أزقة
خاوية و دمه لا يتساقط منه
أنتِ جميلة و المطر أشقر و نحن وحيدان
و لكن لا أريد لموتي أن يتسع
أيتها الرائعة الخاوية حتى من جسدي
أيتها البلاد المثقوبة كالخرز أو كالجراح
ها أنذا أعطيك نهرًا قبل أن أغتسل
فيه
146 Total read