وديع سعادة

1948 / لبنان

ليس للمساء إخوة -3 - مرحلة ثالثة - Poem by وديع سعادة

نتسلّق ضحكاتنا
لأنّ صراخنا شاهقُ جدًا
I
لم يَعُدْ في دمي غيرُ الكلمات واللون الأحمر
البسْ قناعَ الرحمة واطردْني
يشتاق صمتي غيرَ لهاثك
ماذا جئتَ تفعل ماذا جئتَ تقول ماذا جئتَ تقطف
يا زارع اليباس كي يكلّم الفراغَ كالأبله؟
حديقتي أصغرُ من جنين
ليس فيها غيرُ ورقةِ السهو
نبتتْ في غيابك
II
أنتم قميص المجاعة
دلقتم محابر وجوهكم على أوّل النهار فاسودَّ عمرُنا القصير. غرقتْ أقدامُنا في الأسْوَدِ وصارت صالحةً للكتابة. بها وقّعنا على الطرقات أحصنة جديدة
أوقفوا نسلَ الاحلام. ما عاد العالم يسع
أسمعُ ضجيجًا هائلاً، قرقعةَ عظام، الأحلام ترفس نفسها، تنهق، تفترس، تروث
أوقِفوا نسلَ الأحلام. كَثُرَ الروث وانبرتْ زهرةُ الأزمنة
على صدر كلٍّ منكم زهرة الزمان.أحار كيف أسمّيكم
III
سيّدتي في الفضاء الكئيب
لا تُرجعي وجهي إليَّ
لا تتدفّقي نحوي كالأنهار
لا تندلقي كالبراميل
الحرّيةُ نصفُ اشمئزازي
والرهينة نصفي الآخر
وكلُّ أولادي الموت
IV
يا قاطعَ الطرق يا شرسًا يا مجنونًا يا حُبّي
دعْ ممرًّا لرحيلي
دعني بعيدًا مع ورق الشجر أستلقي
على حجر يمكنني أن أقعد
مع صرصار أستطيع أن أغنّي
لنملة أقرأُ قصائدي
في مِزَق ثوبي ثلاثُ ابتسامات من الفجر وثغرٌ كاملٌ للغروب
على رؤوس أصابعي قطيعٌ غريب
لا يعود من البراري
V
أخرجُ إلى تسكّعي قاطعًا حدائق الوجوه
رائحةُ الصمتِ برتقالة
وشيخوخة الوعي قطارٌ سريع
أيَّهُ لقاءُ الحزن أيَّهُ لقاءُ الحلمِ يا قطرات الطريق؟
VI
مرَّ الوردُ ابني الحبيب ورجع وقال
خلّصني يا أزرقَ الأرض
يا أبيضَ الفراشة
المكان يؤنّث نفْسَه
VII
اشتبكي معي يا حشائش الأيّام الأولى في رقصة الأيّام الأخيرة
في كلا عنقينا أشعَّةٌ مترمِّدة
VIII
تقفُ في آخر صفّ المسافرين إلى النهار
وتُريدُ أن ترى نفسكَ العاشقَ الوحيد
اعترفْ أنَّ القطار انكسر
وأنّكَ وحيدٌ على الرصيف
شوقُك الحمّى برودةٌ كئيبة
وأسنانُكَ حين تبتسم لا تضيء
حتى فمَك
IX
الأبراج المبلّلة بالضوء تطفو على كتفي
إنّه شروق سخيف
بدايةُ أوّل يوم في مصنع العالم
وجهي يقتله ظلُّه
على الشرفة
X
قولوا أيَّ شيء للعصافير في شجرة التفاح كي ترحل
خبزٌ في أشواقها
يأسر خطواتي
XI
إلى جاد وسيمون وغادة، وأنتَ
ما اسمكَ؟ لا أعرف
لكن ألم أرَ وجهكَ تحت شتاء آذار يذوب كحبّة سكّر وأنتَ تسرع؟
ومرَّةً قعدنا؟
كان الزغبُ ينبت في وجوهنا
قالت أمّنا تطيرون غدًا. زقزقنا
وها على الثلج نقعد نتأمّل أقدامنا الصغيرة
ما هذا الواقع من فم السماء كأنه لنا؟
قالوا جاء يزيحُ الصخرَ يفتحُ الباب. انخفِضوا انخفضنا
سمعنا ارتطامَ جسده. رأينا تفتُّحَ جراحه
وقلتُ: لن أمسّ جرحك أبدًا لئلا يُقفل نبعُ الرغبة
وضع جاد عينه في الماء صارت سمكة. سيمون عينُه في الفضاء غيمة. وعينُ غادة قطنٌ ينفشه الحزن
كنّا التقينا. دخل البوّابُ أعلنَ انتهاءَ الزيارة
كيف تصيرين هكذا مطرًا أحمر ينزل عليَّ في الشوارع؟
أمّي غزلتْ لي كنزةً بيضاء عملتْ لها جيوبًا للزبيب وعبّأتْها
لبستُها وخطرتُ أمامكِ
أبي مرّةً زار المدينة. ضيّفوه برتقالةً حملها إليَّ من بيروت في جيبه. اقتسمناها وركضنا في البساتين
أبحثُ عن زبيبةٍ، حبّةِ قمحٍ، بذرةِ برتقالٍ أضعُها في منقادكِ وأنت في العش لا أجد
كيف يصير أهل القرى من دون قمح هكذا؟
جاء الشتاء يمزج البرد بالذكرى
وها نحن لا نريد غيرَ غطاء
92 Total read