نزار قباني

1923-1998

وهذا العنفا - Poem by

كيفَ سأُوقفُ هذا المدَّ اللاقوميَّ
وهذا الفكرَ التجزيئيَّ
وهذا المَطَرَ الكبريتيَّ
وهذا النَزفَا ؟
كيف نُعبِّرُ عن مأزِقِنَا ؟
كيف نُعبِّرُ عمَّا يُكْسَرُ في داخِلِنَا ؟
كيفَ سنتلو آيَ الذِكْرِ على جُثَّتِنا ؟
إِنَّ مباحثَ أَمْنِ الدولةِ تطلبُ منَّا
أَنْ لا نَضْحَكَ
أَنْ لا نَبكيَ
أَنْ لا ننطُقَ
أَنْ لا نَعْشَقَ
أَنْ لا نلمِسَ كفَّ امرَأَةٍ
أَنْ لا نُنْجِبَ ولداً
أَنْ لا نُرْسِلَ أَيَّ خِطابٍ
أَنْ لا نَقْرَأَ أَيَّ كتابٍ
إِلا عنْ أَحْوَالِ الطَقْسِ ، وإِلا عَنْ أَسرَارِ الطَبْخِ
فتلكَ قَوَانينُ المَنْفَى
يا سيِّدتي
ماذا أفعلُ لو جاءَتْني أُمِّي في الأَحْلامْ ؟
مَاذا أَفْعلُ لو ناداني فُلُّ دِمشْقَ
وعاتَبَني تُفَّاحُ الشَامْ ؟
ماذا أَفْعَلُ لو عَاوَدَني طَيْفُ أَبي ؟
فالتجأَ القَلْبُ إِلى عَيْنَيْهِ الزَرْقَاوَيْنِ
كسِرْب حَمَامْ
يا سيِّدتي
كيفَ أقولُكِ شِعْراً ؟
كيفَ أقولُكِ نَثْراً ؟
كيف أقولُكِ ، يا سيِّدتي ، دُونَ كلامْ ؟
كيفَ أُبَشِّرُ بالحُريَّة
حينَ الشمسُ تواجهُ حكماً بالإِعدَامْ ؟
كيفَ سآكُلُ من غير طَعَامْ ؟
يا سيِّدتي
إِنِّي رَجُلٌ لم يَتَخَرَّجُ من بَارَات السُلْطَةِ
في أَحَدِ الأَيَّامْ
أَو أشْغلتُ وظيفةَ قِرْدٍ
بينَ قُرُودِ وزاراتِ الإِعلامْ
يا سيِّدتي
إِنِّي رجلٌ لا أَتَوارَى خَلْفَ حُرُوفي
أو أتخبَّأُ تحتَ عَبَاءةِ أيّ إِمَامْ
يا سيِّدتي : لا تَهْتَمِّي
فأنا أعرفُ كيفَ أكونُ كبيراً
في عَصْر الأَقزامْ
يا سيِّدتي : لا تَهتَمّي
حتَّى أَفْتَحَ نَفَقَاً تحتَ البَحرِ
وأثقبَ حيطانَ المَنْفى
لا تَهْتَمِّي
لا تَهْتَمِّي
لا تَهْتَمِّي
إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ
ليسَ بمنْفَى
لا تَهْتَمِّي
إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ
ليسَ بمنْفَى
155 Total read