نزار قباني

1923-1998

من ملفّات محاكم التفتيش - Poem by نزار قبان

يطالبُني حكماءُ القبيلَهْ
أن أتركَ أشعاري على باب خَيْمتِكْ
وأدخلَ عليكِ، مجرّداً من السلاحْ
ماذا يبقى مني؟
إذا نزلتُ عن فَرَس العشقْ
ورهنتُ راياتي وأوسمتي
ومعطفَ الكلمات الجميلَهْ
الذي كنتُ أختالُ به
كفهدٍ إفريقيٍ مرقّطْ
يطالبني عقلاءُ القبيلَهْ
حتى لا تشتعلَ الفتنَهْ
وحتى لا يتقاتلَ الرجالُ مع الرجالْ
من أجل حَفْنةِ كُحْلْ
وحتى لا يسيلَ دمُ التاريخ من أجل غزالَهْ
أن أفكّ ارتباطي بعينيكِ السوداوينْ
وأحتكمَ إلى العقلْ
ماذا يبقى من وطن الكحلْ؟
الذي أعطاني جنسيّتي، وجوازَ سفري
إذا قبلتُ التحكيمْ
وخرجتُ من عينيكِ السوداوينْ
تلبيةً لمقتضيات الأمن البدويِّ
باسم الوصايا العشْرِ التي لم أقرأها
وباسم دولة الذكور التي لا أعترف بها
وباسم المؤلفات التي ألَّفها الجرادُ الصحراويّ
وباسم شجرة العائلة
التي كسرتُها.. وتدفأتُ على حطبها
أن أتركَ عشقي لكِ في غمدهْ
وأتخلى عن أجمل سيفٍ من الذَهَبْ
اقتنيتُهُ في حياتي
يحاكمني على حبّي بكِ
العشقْ
ولم يسمعوا بـ (طَوْق الحمامة) لابن حَزْمْ
وبـ (فنّ الحب) لأوفيد
ويطالبُ برأسي
مثقفونَ يمارسون الحبَّ مع ذباب المقاهي
ولُوطيُّونْ
لم يتشرفوا بالوقوف في حضرة امرأهْ
أو بالسباحة في صوت امرأهْ
ينصحني شعراءُ القبيلَهْ
الذين رفضت الأميرةُ قصائدَهُمْ
لأنهم لم يفهموا لُعْبَة الأنوثَهْ
ولا لُعْبَةَ الشِعرْ
وتلعثموا حين سألَتْهُمْ
عن الفرق بين إيقاعات البحر الطويلْ
وإيقاعات شعرها الطويلْ
وعن الفرق بين خصائص شفتيْها
وخصائص النبيذ الفرنسيّْ
وعن الفرق بين النقطة في آخر السَطرْ
والشَامَة في أعلى الظهرْ
ينصحني مرتزقةُ البَلاطْ
أن أعودَ من حيثُ أَتيتْ
لأن الأميرةَ لا تفتحُ نافذتها
وأنني لو فشلتْ
دفنتني في عتمة ضفائِرها
أضعُ دمي على كفّي
وأرشُّ شراشفَ الأميرة بأشعاري
يستيقظُ النَهْدانِ الكَسُولان من نَوْمهما
ويهربانِ معي
يجتمع حكماءُ القبيلة ومستشاروها في جلسةٍ طارئَهْ
ويدرسونَ مِلفّي ورقةً ورقهْ
وأعمالي قصيدةً .. قصيدَهْ
ويستعرضون حبيباتي إمرأةً.. إمرأهْ
يأخذونَ بصمات يدي.. وبَصَمات فمي
جاؤوا من كلِّ المدن العربية ليشهدوا ضدّي
يقرِّرون بالإجماع: أنني فضيحةٌ مقروءَه
وأنني خطرٌ على الأمن النسائيّْ
يطلبون مني أن أغادر الوَطَنْ
خلال ثمانٍ وأربعين ساعَهْ
فأغادره
وتتبعني إلى المنفى كلُّ نساء القبيلَهْ
يقرِّرون بالإجماع: أنني فضيحةٌ مقروءَه
وأنني خطرٌ على الأمن النسائيّْ
يطلبون مني أن أغادر الوَطَنْ
خلال ثمانٍ وأربعين ساعَهْ
فأغادره
وتتبعني إلى المنفى كلُّ نساء القبيلَهْ
199 Total read