نزار قباني

1923-1998

من علمني حبا ... كنت له عبداً - Poem by نزار قبان

مَن علَّمني
كيفَ أُقَشِّرُ كالتُفَّاحةِ قلبي
حتَّى تأكُلَ منهُ نساءُ الأرضِ جميعاً
كنتُ له عَبْدَا
مَنْ عَلَّمني
كيفَ أُؤسِّسُ وطناً
يُشْبِهُ شَكْلَ القلبِ
وشَكْلَ الشِرْيَانِ التاجيِّ
وشَكْلَ العُصْفُورِ الدُوريِّ
وشَكْلَ التُفَاحِ الشامِيِّ
لكنتُ لهُ أيضاً عَبْدَا
مَنْ عَلَّمني
كَيفَ أُحِبُّ امرأَةً حتَّى حَدِّ الهَذَيَانِ
مَنْ عَلَّمني
كيفَ بوُسْع امرأةٍ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَنْ تتحرَّكَ مثلَ السَمَكِ الأحمرِ داخلَ شِرْيَاني
مَنْ عَلَّمني
كيفَ بوُسْع امرأةٍ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَنْ تخترعَ الشِعْرَ
وتَرْسُمَ شَكْلَ الأَزْمَانِ
مَنْ عَلَّمني
كيفَ تصيرُ امرأَةٌ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَقوى نَوْعٍ من أنواعِ الإِدْمَانِ
مَنْ عَلَّمني ما لا أَعْلَمُ
كنتُ له دوماً عَبْدَا
مَنْ علَمني
أَوَّلَ دَرْسٍ في أحوالِ الوَجْدْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أُواصِلُ عِشْقي
منذُ المَهْدِ .. وحتَّى اللَّحدْ
مَنْ عَلَّمني
أَنْ أَسْتَخْرِجَ ذَهَباً مِن أَوْدِيَة النَهْدْ
مِنْ عَلَّمني أَنَّ حبيبي
نَوعٌ من أَعشابِ البحرِ
وفَرْعٌ من عائلةِ الوَردْ
مَنْ سَمَّاني مَلِكاً في تاريخ العِشْقِ
فقد أعطاني كلَّ المجدْ
مَنْ ثَقَّفني
مَنْ شَرَّفَني بهوى امرأةٍ
كنتُ لهُ دوماً عَبْدَا
مَنْ علَّمني
كيفَ أقولُ كلاماً يُشْبِهُ رائحةَ الحِنْطَهْ
أو يُشْبِهُ لونَ الخُبْز الطالعِ من عند الفَرَّانْ
مَنْ علَّمني
أَنْ أَتزَوَّج هذا الشَعْبَ
وأَرفُضَ أَيَّ زواجٍ بالسُلْطَهْ
وعُقُودَ اللُؤلُؤِ والمَرْجَانْ
مَن عَلَّمني
كيفَ أُواجهُ بالأزهارِ ، وبِالأَشعارِ
هَرَواتِ الشُرْطَهْ
مَنْ عَلَّمني
أَنْ لا أعملَ سائسَ خيلٍ عند الوالي
(أو جاريةً ترقُصُ في حَفَلات (البابِ العالي
مَنْ علَّمني
أَنْ لا أحنيَ قامةَ شِعْري
كنتُ لهُ دوماً عَبْدَا
مَنْ علَّمني
كيفَ أُغَيِّرُ .. كيفَ أُدَمِّرُ
كيفَ أُكَنِّسُ هذا القُبْحَ
وأَزْرَعُ في الأرض الرَيْحَانْ
مَنْ علَّمني
كيفَ سأُنْقِذُ هذا المركبَ
من أَنواءِ البَحْرِ
وأسنانِ الجُرْذَانْ
من أعطاني عُودَ ثِقَابٍ
حتَّى أُحرقَ كلَّ أكاذيبِ التاريخ
لكنتُ لهُ دوماً عَبْدَا
مَنْ عَلَّمني
أَنْ أَنْقضَّ على الأَشياءِ
وأَرْفعَ راياتِ العِصْيَانْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أُسافرُ ضدَّ الموجِ .. وضدَّ الريحِ
وأُشعلُ في البحر النيرانْ
مَنْ عَلَّمني
كيفَ تكونُ الكِلْمةُ سَيْفاً
في وجهِ السُلْطانْ
من أهداني سِفْرَ الثورةِ
كنتُ له دوماً عَبْدَا
مَنْ علَّمني
كيفَ أَموتُ على أوراقي
حتَّى ينتصرَ الإِنسانْ
مَن علَّمني
كيفَ أُكَوِّرُ قلبي مثلَ رغيفِ الخبز
لكي أُطعِمَهُ للإِنسانْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أُزيلُ الكِلْفَةَ بين كِتَابِ الشِعْرِ
وأفواهِ الفُقَراءْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أكُونُ بسيطاً
مثلَ العُشْبِ
ومثلَ الماءْ
مَنْ علَّمني
أَنْ أَستعملَ لغةً
فيها نَزَواتُ الأَطفالِ
وفيها إحسَاسُ البُسَطَاءْ
مَنْ علَّمني
أَنَّ الشِعْرَ ، رسالةُ حُبٍّ نكتُبُها للناسِ
وليسَ هنالكَ شِعْرٌ لا يتوجَّهُ للإنسانْ
من علَّمني هذي الحِكْمَة في تعريفِ الشِعْرِ
لكنتُ لهُ دوماً عَبْدَا
190 Total read