نزار قباني

1923-1998

قصيدة اعتذار لأبي تمام - Poem by نزار قبا

أحبائي
إذا جئنا لنحضر حفلة للزار
منها يضجر الضجر
إذا كانت طبول الشعر ، يا سادة
تفرقنا .. وتجمعنا
وتعطينا حبوب النوم في فمنا
وتسطلنا .. وتكسرنا
كما الأوراق في تشرين تنكسر
فإني سوف أعتذر
أحبائي :
إذا كنا سنرقص دون سيقان .. كعادتنا
ونخطب دون أسنان .. كعادتنا ..
ونؤمن دون إيمان .. كعادتنا ..
ونشنق كل من جاؤوا إلى القاعة
على حبل طويل من بلاغتنا
سأجمع كل أوراقي
وأعتذر

إذا كنا سنبقي أيها السادة
ليوم الدين .. مختلفين حول كتابة الهمزة
وحول قصيدة نسبت إلى عمرو بن كلثوم
إذا كنا سنقرأ مرة أخرى
قصائدنا التي كنا قرأناها
ونمضغ مرة أخرى
حروف النصب والجر .. التي كنا مضغناها
إذا كنا سنكذب مرة أخرى
ونخدع مرة أخرى الجماهير التي كنا خدعناها
ونرعد مرة أخرى ، ولا مطر
سأجمع كل أرواقي
وأعتذر

إذا كان تلاقينا
لكي نتبادل الانخاب، أو نسكر
ونستلقي على تخت من الريحان والعنبر
إذا كنا نظن الشعر راقصة .. مع الأفراح تستأجر
وفي الميلاد ، والتأبين تستأجر
ونتلوه كما نتلو كلام الزير أو عنتر
إذا كانت هموم الشعر يا سادة
هي الترفيه عن معشوقة القيصر
ورشوة كل من في القصر من حرس .. ومن عسكر
إذا كنا سنسرق خطبة الحجاج : والحجاج .. والمنبر
ونذبح بعضنا بعضا لنعرف من بنا أشعر
فأكبر شاعر فينا هو الخنجر

أبا تمام .. أين تكون .. أين حديثك العطر؟
وأين يد مغامرة تسافر في مجاهيل ، وتبتكر
أبا تمام
أرملة قصائدنا .. وأرملة كتابتنا
وأرملة هي الألفاظ والصور
فلا ماء يسيل على دفاترنا
ولا ريح تهب على مراكبنا
ولا شمس ولا قمر
أبا تمام، دار الشعر دورته
وثار اللفظ .. والقاموس
ثار البدو والحضر
ومل البحر زرقته
ومل جذوعه الشجر
ونحن هنا
كأهل الكهف .. لا علم ولا خبر
فلا ثوارنا ثاروا
ولا شعراؤنا شعروا
أبا تمام : لا تقرأ قصائدنا
فكل قصورنا ورق
وكل دموعنا حجر

أبا تمام : إن الشعر في أعماقه سفر
وإبحار إلى الآتي .. وكشف ليس ينتظر
ولكنا .. جعلنا منه شيئا يشبه الزفة
وإيقاعا نحاسيا، يدق كأنه القدر

أمير الحرف .. سامحنا
فقد خنا جميعا مهنة الحرف
وأرهقناه بالتشطير ، والتربيع ، والتخميس ، والوصف
أبا تمام .. إن النار تأكلنا
وما زلنا نجادل بعضنا بعضا
عن المصروف .. والممنوع من صرف
وجيش الغاصب المحتل ممنوع من الصرف
وما زلنا نطقطق عظيم أرجلنا
ونقعد في بيوت الله ننتظر
بأن يأتي الإمام على .. أو يأتي لنا عمر
ولن يأتوا .. ولن يأتوا
فلا أحدا بسيف سواه ينتصر

أبا تمام : إن الناس بالكلمات قد كفروا
وبالشعراء قد كفروا
فقل لي أيها الشاعر
لماذا الشعر - حين يشيخ -
لا يستل سكينا .. وينتحر؟
213 Total read