نزار قباني

1923-1998

في وصف قطّة سيامية - Poem by نزار

تخلعُ فاطمةُ حَذَاءَها
وتتكوَّمُ
كقِطَّةٍ سِيَاميَّةٍ في جَوْف راحتي
ترمي حقيبتَها على مَقْعَدْ
وكيسَ مُشْترياتِها على مقعدْ
وتدخُلُ
في أوّل شريانٍ تصادِفُهْ
تخلعُ فاطمةُ أسماءَها
وتقرّرُ في شجاعةٍ باهرَهْ
أن تكونَ امرأتي
تَنْتَزعُ الحَلَقَ من أُذُنَيْها
تَنْتَزِعُ الأساورَ من يَدَيْهَا
ترمي خواتمَهَا
ودبابيسَ شَعْرِها على الأرضْ
وذاكرتَها .. وأيَّامها المتشابهةَ على الأرض
وتَنْدسُّ كشجرة الكاكاو
تحت ثيابي
تختارُ لونَ ستائري
ولونَ دفاتري
وتَفْرضُ عليَّ ذَوقَها في الطعام، وفي الحُبّ
وتُغَمْغَمُ من فَرَحِها
كقِطَّة سياميَّهْ
تدخُلُ فاطمةُ عليَّ
تَضَعُ مجلاتِها النسائيّةَ على مكتبي
وثوبَ نومها في خزانتي
وملاقطَ شَعْرِها في جواريري
تضعُ فُرْشَاةَ أسنانها
قُرْبَ فُرْشاةِ أسناني
فأُدركُ أنَّها قرّرتِ احتلالي
تضجر فاطمةُ من شكل نهديْها
وتحاولُ رسْمَهُما من جديدْ
وتأمُرُها أن تتحوَّلَ إلى عُصْفور
لا شيءَ أروعَ من فاطِمَهْ
عندما تخرجُ من بيت الطاعَهْ
وتصهل كمِهْرَةٍ
تحت شمس الحريَّهْ
تقودُ فاطمةُ انقلاباً تاريخياً على جَسَدِها
وتستلم السُلْطَهْ
تضعُ وزراءَها في السجنْ
وقيس بنَ الملوَّحِ، وجميلَ بُثَيْنَةَ
وجميع الشعراء العُذريّينَ في السجنْ
وجميعَ الذين ألَّفُوا في فَنِّ الحُبّ
ولم يلامسوا إصْبَعَ امرأهْ
وجميع الذينَ تحدَّثوا عن انتصاراتهم النسائيَّةَ
دون أن يصابُوا
بطَعْنَةٍ واحدةٍ
أو بقُبْلةٍ واحدةٍ
أو بذَبْحَةٍ قلبيّةٍ واحدَهْ
وجميع الذين كتبُوا عن جحيم الجنس
ولم يناموا مع ذبابَهْ
وتعلنُ فاطمةُ أمام الجماهير التي جاءتْ لمبايعتها
وفي لحظة صدقٍ لا يعرفُها العرب
أنَّها حبيبتي
ترفُضُ فاطمةُ جميعَ النُصُوصِ المشكوكِ بصِحَّتها
وتبتديءُ من أَوَّل السطرْ
تمزِّقُ جميع المخطوطات التي ألَّفَها الذُكُورْ
وتبتديءُ من أبجديَّةِ أنوثتها
وتقرأ في كتاب فمي
تهاجرُ من مُدُن الغبار
وتتبعني حافيةً إلى مُدُن الماءْ
تقفز من قطار الجاهلية
وتتكلّم معي لغةَ البحر
تكسر ساعتَها الرمليَّه
وتأخذُني معها إلى خارج الوقتْ
تعتقدُ فاطمَهْ
-وفاطمةُ دائماً على حقّ
أنَّ حركةَ التاريخ تبدأ من عَيْنَيْها
وأن الإنسانَ الأوَّلَ
عمَّر مغارتَهُ ما بين نهدَيْها
والموسيقى لا صوت لها
والألوانَ لا لونَ لها
وأن الشِّعْرَ - إذا هي رَفَعتْ يدها عنه
سيُقفل البابَ على نفسه
وينتحرْ
تُعْجِبُني قَرَاراتُ فاطِمَهْ
عندما تتحوَّلُ من حَجَرٍ مُسْتَديرْ
إلى نافُورة ماءٍ في بيتٍ أنْدَلُسيّْ
ومن قصيدةٍ مَوْزُونةٍ ومُقفَّاةْ
إلى حمامةٍ تحطُّ على كَتِفي
ومن جاريةٍ في بلاط هارون السادسِ عَشَرْ
تعجبني حماقاتُ فاطمَهْ
عندما تتجاوزُ الإشَاراتِ الحمراءْ
التي وضَعَها التاريخيُّونَ حول كلامِها
وحول أحْلامِها
وتذبحُهُمْ في خيمَتِهِمْ
واحداً .. واحداً
وتعجبُني مبالاتُ فاطمَهْ
وتُعيِّنني حارساً على نهدَيْها
بمرتَّبٍ قدرُهُ عَشَرَةُ آلافِ قُبْلةٍ
في الليلة الواحدَهْ
أُحِبُّ فاطمَهْ
حين تشربُ قهوتَها الصباحيَّةَ
وتشربُني
وأُحبُّها أكثَرْ
حين تؤكِّدُ لي
أنَّها سوفَ تحتلُّ العالَمَ
وتَحْتَلُّني
وهي تصطادُ السَمَكَ الأحمرْ
على شواطئِ دمي
تعتقلني فاطمةُ تحت أهدابِها
فلا أعرفُ متى ينتهي الليل
ومتى يبدأ النَهَارْ
على يَدَيْ فاطِمَهْ
ومحارباً جيّداً
كما علَّمتني أن أحِبَّها جيداً
وعلى يَدَيْ فاطمَهْ
تعلَّمتُ أن الليبراليَّةَ هي امرأَهْ
فَهُوَ رَجُلُ مخابَراتْ
مَنْ لم يعرِفْ فاطِمَهْ
لم يعرِفْ ما هي أعظَمُ أعمالِ اللهْ
تُحَطِّمُ فاطمَهْ
جميعَ قوارير الطبِّ العربيّْ
وجميعَ مُعْتَقلاتِ الحُبِّ العربيّْ
وتُخْرجُني من ثبات النَصِّ العربيّْ
وتفتحُ لي بابَ الإجتهادْ
فاطِمَهْ
هي أهَمُّ امرأةٍ بين نساء العالَمْ
وحَمَلَ السلاحَ معها
مَنْ لم يعرِفْ فاطِمَهْ
لم يعرِفْ ما هي أعظَمُ أعمالِ اللهْ
ولَمْ يعرفْ ما هو الشِعْرْ
تُحَطِّمُ فاطمَهْ
جميعَ قوارير الطبِّ العربيّْ
وجميعَ مُعْتَقلاتِ الحُبِّ العربيّْ
وتُخْرجُني من ثبات النَصِّ العربيّْ
وتفتحُ لي بابَ الإجتهادْ
فاطِمَهْ
هي أهَمُّ امرأةٍ بين نساء العالَمْ
وأنا، أَهَمُّ رَجُلٍ أحَبَّها
وحَمَلَ السلاحَ معها
218 Total read