نزار قباني

1923-1998

الحبّ لا يقف على الضوء الأحمر - Poem by نزار قباني

لا تُفَكِّرْ أبداً.. فالضوءُ أحمَرْ
لا تُكلِّمْ أحداً .. فالضوءُ أحمَرْ
لا تًجادلْ في نصوص الفقْهِ
أو في النَحْوِ
أو في الصَرْفِ
أو في الشِعْرِ
أو في النَثْرِ
إنَّ العقلَ ملعونٌ ، ومَكْروهٌ ، ومُنْكَرْ
لا تُغادرْ
قُنَّكَ المختومَ بالشَمْع.. فإنَّ الضوءَ أحمَر
لا تُحِبَّ امْرَأةً .. أو فَاْرةً
إنَّ ضوءَ الحُبِّ أحمَرْ
لا تُضاجعْ حائطاً .. أو حَجَراً .. أو مَقْعَداً
إنَّ ضوءَ الجنْسِ أحمَرْ
إبْقَ سِرِّياً
ولا تكشِفْ قَرَاراتِكَ حتَّى لذُبَابَهْ
إبْقَ أُمِّياً
ولا تدخُلْ شريكاً في الزنى أو في الكتابَهْ
فالزنى في عصرنا
أهونُ من جُرْم الكتابَهْ
وبأشجارِ .. وبأنهارِ .. وأخبارِ الوطَنْ
لا تُفكِّرْ بالذين اغتصبُوا شمسَ الوطَنْ
إنَّ سيفَ القَمْع يأتيكَ صباحاً
في عناوين الجريدَهْ
وتَفَاعيلِ القصيدَهْ
وبقايا قَهْوَتِكْ
لا تَنمْ بين ذرَاعَيْ زوجتِكْ
إنَّ زُوَّاركَ عند الفجر موجودونَ تحت الكَنَبَهْ
لا تُطالعْ كُتُباً في النقد أو في الفلسفَهْ
مزروعونَ مثلَ السُوسِ في كلِّ رفوف المكْتَبَهْ
إبْقَ في برميلكَ المملوءِ نَمْلاً.. وبَعُوضاً.. وقِمَامَهْ
إبْقَ مِنْ رجْلَيْكَ مشنوقاً إلى يوم القيامَهْ
إبقَ من صوتِكَ مشنوقاً إلى يومِ القيامَهْ
إبْقَ من عقلكَ .. مشنوقاً إلى يوم القيامَهْ
إبْقَ في البرميل.. حتَّى لا ترى
وَجْهَ هذي الأمّةِ المُغْتَصبَهْ
أنتَ لو حاولتَ أن تذهبَ للسلطانِ
أو زوجتِهِ
أو كلبِهِ المسؤولِ عن أَمن البلادْ
والذي يأكُلُ أسماكاً.. وتُفَّاحاً.. وأطفالاً
كما يأكُلُ من لحم العبادْ
لوجدتَ الضوءَ أحمرْ
أنتَ لو حاولتَ أن تقرأَ يوماً
نَشْرةَ الطقس.. وأسماءَ الوفيّاتِ.. وأخبارَ الجرائمْ
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ
أو أحذيةِ الأطفالِ
أو سعرِ الطماطمْ
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ
أنتَ لو حاولتَ أن تقرأ يوماً
صفحةَ الأبراجِ
كي تعرفَ ما حَظُّكَ قَبْلَ النَفْطِ
أو حظُكَ بعدَ النَفْطِ
أو تعرفَ ما رقْمُكَ ما بين طوابير البهَائمْ
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ
أنتَ لو حاولتَ
أن تبحثَ عن بيتٍ من الكرتُون يأويكَ
أو سيِّدةٍ - من بقايا الحرب- ترضى أن تُسَلِّيكَ
وعن نهديْنِ معطُوبيْنِ
لوجدت الضوءَ أحمَرْ
أنتَ لو حاولتَ
أن تسألَ أستاذَكَ في الصفّ.. لماذا؟
يتسَلَّى عربُ اليوم بأخبار الهزائمْ؟
ولماذا عربُ اليوم زُجَاجٌ فوقَ بعضٍ يتكسَّرْ؟
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ
لا تُسافِرْ بجوازٍ عربيّْ
لا تسافرْ مرةً أخرى لأوروبّا
فأوروبّا - كما تعلمُ - ضاقَتْ بجميع السُفَهَاءْ
أيُّها المنبوذُ
والمشبُوهُ
أيُّها الديكُ الطعينُ الكبرياءْ
أيُّها المقتولُ من غير قتالٍ
أيُّها المذبوحُ من غير دماءْ
لا تُسافرْ لبلاد اللهِ
إنَّ الله لا يرضى لقاءَ الجُبَنَاءْ
لا تُسافِرْ بجوازٍ عربيّْ
وانتظرْ كالجُرْذ في كُلِّ المطاراتِ
فنَّ الضوءَ أحمَرْ
لا تقُلْ باللغة الفُصْحَى
أنا مروانُ.. أو عدنانُ
أو سَحْبَانُ
إنَّ الإسمَ لا يعني لها شيئاً
وتاريخُكَ - يا مولايَ - تاريخٌ مُزَوَّرْ
(لا تُفاخِرْ ببطولاتكَ في (لليدو
فسوزانُ
وجانينُ
وكوليتُ
وآلافُ الفَرَنْسِيَّاتِ.. لم يقرأنَ يوماً
قصّةَ الزيرِ وعنتَرْ
يا صديقي
أنتَ تبدو مُضْحكاً في ليل باريسَ
فَعُدْ فوراً إلى الفندقِ
إنَّ الضوءَ أحمَرْ
لا تُسافِرْ
بجوازٍ عربيٍّ بين أحياءِ العَرَبْ
فهُمُ من أجل قرشٍ يقتُلُونَكْ
وهُمُ - حين يَجُوعُونَ مساءً - يأكُلُونَك
لا تكنْ ضيفاً على حاتمِ طيّْ
فهو كذَّابٌ
ونصَّابٌ
وصناديقُ الذَهَبْ
يا صديقي
لا تَسِرْ وحْدَكَ ليلاً
بين أنيابِ العَرَبْ
أنتَ في بيتكَ محدودُ الإقامَهْ
أنتَ في قومكَ مجهولُ النَسَبْ
يا صديقي
رحِمَ اللهُ العَرَبْ
وصناديقُ الذَهَبْ
يا صديقي
لا تَسِرْ وحْدَكَ ليلاً
بين أنيابِ العَرَبْ
أنتَ في بيتكَ محدودُ الإقامَهْ
أنتَ في قومكَ مجهولُ النَسَبْ
يا صديقي
رحِمَ اللهُ العَرَبْ
183 Total read