نزار قباني

1923-1998

العصفور - Poem

لو حَمَيْناهُ من البَرْد قليلا
وحَمَيْناهُ من العين قليلا
لو غَسَلنا قَدَميْهِ بمياه الورد والآسِ قليلا
آهِ .. لو نحنُ أخذناهُ إلى ساحات باريسَ العظيمَهْ
وتصوَّرنا مَعَهْ
مرةً في ساحة (الفاندومِ) أو في ساحة الباستيلِ
أو في الضفَّة اليسرى من السينْ
آهٍ .. لو تَدَحْرَجْنا على الثلج مَعَهْ
وهو بالقُبَّعة الزرقاءِ يجري
ودموعي جدولٌ يجري مَعَهْ
آهِ .. لو نحنُ أخذناهُ إلى عالم (ديزني
وركبنا في القطارات التي تمرُقُ من بين ملايين
الفَرَاشاتِ إلى قَوْس قُزَحْ
آهِ .. لو نحن استجبنا لأمانيه الصغيراتِ
وآهٍ.. لو أكلنا معه (البيتزا) بروما
وتجوَّلنا بأحياء فلورنسا
وتركناهُ ليرمي خبزَهُ لطيور البُندقيَّهْ
فلماذا هربَ العصفورُ منّا يا شَقِيَّهْ؟
قد رَسَمْناهُ بأهداب الجفونْ
ونَحَتْناه بأحداق العُيُونْ
وانتظرناهُ قُروناً .. وقُرونْ
فلماذا هربَ العصفورُ منّا؟
دونَ أن يُلقي التحيَّهْ
ربَّما.. لو أنتِ من جنَّتكِ الخضراء ، يا سيّدتي
لم تطرُديهِ
ربَّما .. لو أنتِ ، يا سيِّدتي ، لم تقتُليهِ
كانَ سلطانَ زمانِهْ
ربَّما ... لو كانَ حيّاً
دخلَ الشمسَ على ظهر حصَانِهْ
ربَّما .. لو قال شِعْراً
يقطُرُ السُكَّرُ من تحت لسانِهْ
ربَّما .. لو شاءَ يوماً أن يُغنّي
يطلعُ الوردُ على قَوْس كَمَانِهْ
ربَّما .. لو ظلَّ حيّاً
حرَّكَ الأرضَ بأطرافِ بَنَانِهْ
لا تَقُولي : لا تُؤاخِذْني
فقد كانَ قضاءً وقَدَرْ
هل يكونُ الجهلُ والسُخْفُ قضاءً وقَدَرْ؟
قَمَراً كانَ
ومَنْ يقتُلُ ، يا سيّدتي ، ضوءَ القَمَرْ؟
وَتَراً كانَ
ومَنْ يقطعُ من عُودٍ وَتَرْ؟
مَطَراً كانَ
ولنْ يأتي إلينا مرةً أُخرى المَطَرْ
أنتِ لو أعطيتِهِ الفرصةَ يا سيِّدتي
ربَّما كانَ المسيحَ المُنْتَظَرْ
آهِ .. يا قاتلةَ الحُلْمِ الجميلِ المُبْتَكَرْ
مؤسفٌ أن يقتلَ الإنسانُ حُلْما
مؤسفٌ أن تكسري في الأُفْق نَجْما
يا التي تبكي طَوَالَ الليل عصفورَ الأمَلْ
سَبَقَ السيفُ العَزَلْ
لا تلوميني إذا ما يبسَ الدمعُ بعينيَّ
وصارَ القلبُ فَحْمَا
فأنا كنتُ أباً
مُدْهِشَ الأحلام.. لكنْ
أنتِ ، يا سيِدتي ، ما كُنْتِ أُمَا
214 Total read