يا ضبابا من الشذى الشفّاف
يا جمالا بلا حدود
يا رفيقا معطّرا في ضفاف
ليس يدري بها الوجود
أين تحيين في شغاف الغيوم
حيث لا يبلغ الخيال ؟
أم تجوبين في بحار النجوم
زورقا يعبد الجمال ؟
أسدلي شعرك الطويل الطريّا
وخصلات من الحرير
وأريقي اشقرارها الغيميّا
يفرش الكون بالعبير
وأزيحي أهدابك العبقات
عن أساطير مقلتين
ملء لونيهما اندفاع حياة
وائتلافات كوكبين
يا جبينا ملوّنا بالمعاني
حجبت سحره الغيوم
يا عبيرا نشوان بالألحان
يا خدودا من النجوم
من ضباب الرؤى إلينا إلينا
قبل أن نزمع الرحيل
وابسطي ظّلك الحنون علينا
ظّلك الدافىء الجميل
نحن في ميعة الصباح سنمضي
قبل أن تفرغ الكؤوس
وركاب الديدان في كلّ أرض
لم تزل تحفر الرموس
ووراء السياج ينعق بوم
ملء عينيه أحجيات
رنّ في صوته الصدى المشؤوم
دون أن تعلم الحياة
والسكون العميق ملء الوجود
جامد يرصد الحياة
يتغذى بكل لحن سعيد
لمست عطره الشفاه
وزهور الحقول تحمل سرّا
بذرة الموت والذبول
لحظة في الصباح تقطر عطرا
ثم يمضي بها الأفول
وكؤوس الهوى المعطر تسقي
عسل الحب لحظتين
يختفي بعدها الرحيق ويبقى
في فم الكأس غصّتين
وارتعاش الظلال فوق السواقي
سوف يمضي به الشفق
والجمال الذي يظلّ المآقي
ربما غاله الأرق
والأغاريد قد يرنّ صداها
لحظات مع الصباح
وزهور المروج عمر شذاها
ليس أبقى من الرياح
نحن نحيى في عالم من ظلال
عابر نسج عنكبوت
كالعصافير في ربيع الدوالي
نتغنّى لكي نموت
فامنحينا رؤياك قبل الرحيل
يا ابنة الحبّ والخيال
لحظة عند نبعك المعسولا
نغسل اليأس بالجمال
علّّّنا من رحيق عينيك نسقي
عطش الروح والشفاه
وعلى ملتقى سواقيك نلقي
عبء ما شّجت الحياه
علّّّنا بازرقاق عينيك نبني
من جديد لنا سماء
علّّّنا باشقرار شعرك نفني
سطوة الليل والفناء
آه مدّي يديك مدّي يديك
كل شيء هنا يضيع
وانبجاس النعيم من شفتيك
كيف نبقيه للربيع ؟
وهنا تغرب النجوم وتذوي
في الدجى رقصة القمر
وكؤوس الأزهار في الحقل تهوي
هكذا يحكم القدر
في شعاب الظلام نبقى نسير
أي أوّاه تهربين ؟
قصرك الزئبقيّ أين يغور ؟
كلمّا كاد أن يبين
فيم , كالماء في رمال الصحاري
لحظات وتنضبين ؟
كشروق الهلال , كالأزهار
كخيالات حالمين ؟
ولماذا , أن جئت بعد العذاب
يقتفي خطوك القلق ؟
فيحس الفؤاد ظلّ اكتآب
كغيوم على الأفق ؟
وذراعاك فيم بالسمّ تهمي
حينما تملأ الكؤوس ؟
كلّ كأس وفيه قطرة همّ
مازجت نشوة النفوس
كلّ لون تعيش خلف صفائه
ظلمة تأكل الجمال
كلّ حبّ يضمّ خلف انتشائه
بذرة الموت والزوال
اهبطي يا أنشودة الحالمينا
من فضاك المورّد
وامسحي مرّة صدى الظامئينا
في دجى ضائع الغد
وسنبني هنا معابد بيضا
فوق أرض من الرجاء
غسلت صدرها الفسيح العريضا
أدمع اليأس والشقاء
علّّّنا مرّة نذوق شذاك
بعد هذا الصدى الطويل
والشفاه الظمآى لشهد نداك
تلمس الكوثر الجميل
في غبار الحياة, في مزلق الأيّ ام في كل معبر مسكون
رنّ هذا النشيد مختلج التر ديد نشوان بالأسى والحنين
وشدته القرون منذ رأى الفج ر بعيني حواء أول حزن
منذ رنّت فؤوس آدم في الصخ ر ولم تبق فسحة للتمني
منذ مرّت قوافل البشر الأو لى وعمر الوجود بضع سنين
عبروا يبحثون عنها عن الجنّ ية الزئبقية التكوين
باسمها يحرثون من أجل عيني ها أحبّوا حتى أكتآب الرحيل
ثم ماتوا وأورثوها هواها وخفايا كيانها المستحيل
حدّثونا عنها فقالوا فتاة غمست في الحرير شوق صباها
ليس تقوى على الحياة إذا جا عت إلى رقّة القصور رؤاها
فهي للأغنياء تبسط من اه دابها الناعمات ألف خميل
وعلى شعرها العبيري يقضو ن لياليهمو كحلم جميل
ثم قالوا جنية تتبع الره بان والزاهدين حيث أفاءوا
مثلهم تعشق السكون ويرضي ها مكان النعيم خبز وماء
من تراتيلهم تشيّد مأوى ظللته سكينة ديريه
من بخور الكهّان جدرانه البي ض ومن خشعة الشموع النقيّة
وسواهم يظنّها ربّة الري ف وبنت الذرى وأخت الوهاد
ليس يروي إحساسها غير جوّ أثقلت عطره أغاني الحصاد
من كؤوس الأزهار حمرة خدّي ها وتأوي إلى بيوت الفراش
وتغني لها النواعير والشم س إذا قبّلت ذرى الأحراش
وسواهم يروي الحكايات عنها كيف تحيى في عالم النغمات
من بكاء الأوتار تنسج أرجو حتها الكوكبّية الرعشات
ويقولون إنّ مسكنها الأع لى خيالات شاعر مسحور
ظلّلت روحه جدائلها الشق ر واسرار طرفها البلوّري
وقلوب تظنّها ربّة الحب تصب الرحيق للعشاق
ويقولون إنهّم شهدوها تسكب الظلّ في هجير الفراق
ورأوها تهشّ في مقلتي (قي س ) مع الدمع والضباب الثقيل
وأحسّوا كيانها المرح الر قص في حزن (توبة) و (جميل)
ومئات تحسّها في شفاه ال كأس في غمرة من الهذيان
في ضباب الجنون , في دولة الأج ساد في عالم من الأدران
ومئات ترجو العثور عليها في زوايا النفوس خلف دجاها
في دروب دكناء يجهد ضوء ال قمر الطفل أن يمسّ ثراها
في خفايا مغمورة عنكبوت ال شر ألفى فيها سريرا مريحا
وركاب (السيرين) آوت إليها والثعابين أثقلتها فحيحا