مريد البرغوثي

الضفة الغربية

منيف - P

ويموت منا من يموت، بموعدٍ
أو صدفةٍ هي موعدٌ
وكأننا نلهو ونلعبُ في كَمينْ
مِنّا شهيدُ كهولةٍ أو غربةٍ
أو قُبلةٍ في الظَّهرِ
أو.. برصاصةٍ في الصدرِ
أو.. بهمومنا المتعرجاتِ على الجبينْ
مِنَّا شهيدُ اليأسِ
حيث تشيخ وَلْدَنَةُ الصَّبا عند الصبيَّ
وتنتهي آمالُ من ثاروا
بثرثرة الحبيب مع العدوِّ
وفي معانقةِ الضحايا للخصوم 'الطيبينْ
منا شهيد كلامه وغرامِهِ
وحروبه وسلامِه
والخَيْرِ تحت قميصِهِ
والشرِّ في أيامِهِ
والمرءُ فلاَّحٌ يُثَلِّمُ حَقْلَهُ
والموتُ مبذورٌ على أثلامِهِ
وحصادُه قممُ الفكاهةُ والجنونْ
وأخي شهيد جَماله وخصاله
أناْ لم أجد رجلاً يعيش بقلب أمٍّ مِثْلَهُ
رجل رؤومْ
فَتَكَتْ به لا كفُّ غادره الغليظةُ وحدَها
بل رِقةٌ في النفس مُضْمَرةٌ وباديةٌ
كَضَوْءِ فَراشةٍ غاصت بمخملِ وردة
فيبينُ جزءُ الجزءِ من كلتيهما
ويظل ما يخفى خيالاً لا يبينْ
وأخي شهيد خُصومة الروحِ الحريرِ
مع الأنا
وكأن فِطْرتَهُ ترى
أن النعيم الآخرونْ
وأخي شهيد جماله وخصالهِ
وهو الحَنونُ بنُ الحَنونةِ والحَنونْ
وهو الذي يرعى أباه، هشاشةً وترفُّقاً
وكأن والِدَهُ جَنينْ
وهو الذي ظلت أُمومتُهُ تُظَلِّلُ أُمَّهُ
ليرى ابتسامتها
ويفزع أن يكون بثوب كنزتِها ولو خَيْطٌ حزينْ
هو شاعرٌ
والشِّعر ليس تبرجَ القاموسِ
بل نفسٌ تعاف رثاثةً تغرِي بنا، هو شاعرٌ
والشعر يجري في يديه بلا كلامْ
الحبُّ فيه طبيعةٌ منذ الولادة
مثلما تقضي الطبيعةُ
أن رفرفةَ الجوانحِ في الحمامْ
تدنو أصابعه
طيوراً في فناء الدار
تنثر رزقها حُبَّاً وحَبَّاً
ثم تعلو في التكتم والغمامْ
بغيابه
حرقوا حديقة مكرمات كاملة
والله إن قلنا له يَنْخاكَ محتاجٌ
سأعجبُ كيف يمنعه الضريحُ من القيامْ
أيها الصيادُ الكهلُ، ذو النظارةِ السميكةِ
أيها ألأشعثُ الذي يرتجلُ شأنَهُ
أيها الذي لا يعرفُ العدلَ، أيها الموت
سأقودك من شحمة أُذُنِكْ
وآمركَ أن تفتح عينيكَ جيداً
لترى فداحة فِعلتكَ الأخيرة
هذا السائر ليلاً، في انتظار قطاره
هذا الفلاح المليح
الذي تحيط به هالاتٌ وأكاليلْ
من المريمية والبابونج
والزعتر البري وعصا الراعي والخزامى
والمُرار وهندباء الجبال
مَن جرؤَ على إحناء قامته السرو؟
مَن جرؤَ على بعث كل هذه القشعريرة
في الهواء المحيط بكتفيه؟
من جرؤ على خنق الاستغاثة الأخيرة للجَمال؟
هو يمشي بمعطفه الكحليّ
الكرامة كلها…تحمل معطفها الكحليّ
البهاء كله ينقل خطاه على الرصيف، بحذائه الشتوي
المودة كلها تشير كقروي طيب
يود لو يعانق المارة جميعاً
العفو كله يسرع وربطة عنقه
مائلة قليلاً بإهمال محبب
وهنا بالضبط، هنا تحديداً
وليس حيث الأوغاد والسفلة
تقرر الظهور أيها الغدر الذي يسمونك الموت
لا لشيء
إلا لكي يصبح الكرامُ أقلَّ عَدداً
وكي ينقصوا إلى هذا الحدّ
أيها الصياد الذي لا يعود بجعبة فارغة
أيها الموت
أيها البليد الملحُّ
أيها السيد الذي يستهين بالخصوم
أيها الصدفة التي تضرب مواعيدها
بالدِّقَّةِ التي تُريد
أيها المذراة التي تذرو رمالَ الناس
من جهةٍ إلى جهةٍ كلَّ يَوْمْ
أيها الواضح، أيها المتعدد
أيها المُقْنِعُ أيها الموت
أريد صاحبي أيها الموت
أيها الذي جعلته يمعن بُعداً
عن المحبوب وبلد المحبوب
وتركت في عينيَّ سخط خليقة كاملة
سأبوح يابن أبي ويا جدي الصغيرَ
بأنَّ حزني فيكَ كان أقل من غضبي
فمنذ فجيعة الإغريق
لم يصعد إلى الأولمب مفجوعٌ كما بلدي
كأنّ الكونَ مسرحُنا
ستارته الشتات ولم أجد
أحداً ليسدلها علينا أو على الأعداءِ
مذ جاء الذين رأتهمو أمي وزرقاءُ اليمامة والكُتُبْ
وستهبط المأساة للملهاة ثانيةً
ضحايا يضحكون على الضحايا
والدموع على ابتسامات العَرَبْ
إعتب على من شئت يا بن أبي
وبالغ في العَتَبْ
أنت الذي ما غبت غيماً صامتاً
بل هكذا
كدوي غابات البتولا في نثار الرعدِ
يوم سقطْتَ أخضرَ واقفاً
وسواك يسقط كالحَطَبْ
إعتب على من شئت با ابن أبي
وبالغ في العَتَبْ
هي قصة لفتى غريب الدارِ
وهي القصة الكبرى لكل الدارِ
هذي الأرض لاجئة كمن لجأوا
يطاردها غِلاظُ الخَطو والخُطباءُ
والخطباءُ إن قتلوا سعاداً أنشدوا بانت سعادْ
سرقوا سماءَ الناس يا ابن أبي
ونبحش بالأظافرِ
في تراب الكون كي نجد السماءْ
وسيرقص الأعداء في التوراةِ
لا طرباً ولكن خدعةً
ويظل يرقص ذلك الحبشي لا طرباً
'حلاوةُ روحِهِ رقصت بِهِ'
سيزينون شجيرة الأعياد قرب البحرِ
ثم يجربون فؤوسهم في غابة الإغريقِ
حيث أَزِقَّةُ العربيِّ يرجف بردُها
وتموءُ في غدها القِطَطْ
وسيهمس الشهداء للشهداءِ
هل متنا غَلَطْ؟
وسيسهر الأعداء قربَ البحرِ
ثم يرتِّبون الشرَّ مثل شراشفِ الأولادِ
يرمون الضحيةَ للضحيةِ والسوادَ على السوادْ
وهناك فوق غيومك الأولى، هناكْ
ستنام في قلق علينا، مثلَنا
حتى نغادرَ كلُّنا
هذا الحدادْ
107 Total read