رَأيتَ
ما لم نرَ
(في مِحْجَريكَ عينان ِمن عقيق)
أبصَرتنا، نَرحَلُ بريح ٍ خفيفةٍ تضربُ قلوعنا
آملينَ الدَهْشةَ، نَحمِلُ جمرَ ما سيأتي
وأنتَ بنَفْس الحريق الذي شَبَّ
مَكَثْتَ
لِسَفينَة
تُبحِرُ
مِنَ
الماضي
تنتظرُ لها ماء الطوَفان
شاخِصاً في الزمان ِ، تُرَتّبُ تاريخهُ
تضعُ هذا الشخصَ هنا
وذاكَ الشخصَ هناك
لا لِمَوَدّةٍ، و إنّما الأرواحُ هكذا
تَتَخاصَمُ
وتتصالحُ
بَعدَ كلّ غمْر ٍ، فتأتي السفينةُ جانحة
تبدأ برَتقِ قعرها
مثلما تُهَذّبُ بالكلماتِ طفلاً يتعلمُ الكلام
ثمّ تنحَتُ من الصلصال سِفْراً
للبقاءِ، وسِفراً للرحيل
لأنّكَ
تَوَهّمتَ
وَ رأيتَ
ها نَحنُ هنا
أمامنا أقفاصٌ طافِحَة ٌ بالوَهمِ
نداريها بالنوم الطويل
لنوهِمَ الوَهْمَ
وَنحَمّلُ أيامناعلى فراشاتٍ تَموتْ
نحنُ هنا، مُقنّعونَ بالرضى
في غُرَفٍ مُقفلةٍ
نفتحُ أحياناً، في خدَرِ الوهم، أبواباً على الليل
لعَلّ من يأتي سَيُدْهِشنا
بيدِهِ مسحاة ٌ يُقَلّبُ الصدور
أو يَحْمِلُ لنا عُيوناً، جاءَ بها من الماضي
نرى بها
وجوهَنا
في شِحَّةِ الفانوسِ
نَرمي النَردَ ونقامر، مثل لصوص ٍ، على مَن سَيأتي
وماذا سيأتي في المنام ؟
طائرٌ أو صَيّاد طائر
أو ربما عَرّافٌ
يسردُ سيرتنا الموجزة
ويقترحُ أن نذهبَ
معَ المُهَرّبينَ
إلى تلكَ البلاد
ها نحن أصبحنا مُفلسينِ من الوَهم
لأننا
كَرّرنا ما رأينا
والأيّام كانت الأيام، تّنزَعُ جلودها كالأفاعي
لِيَمْضي بنا الوقتُ
بطيئا
ونحن
ننتظرُ
ريحاً أخرى تنشِرٌ لنا القلوع
رَأيْتَ
ما لم نرَ
(في مِحجَرَيكَ مرجان ٌ يَشِفّ عن رؤى، فيُنذِرُ عن جحيم ٍ يتكوّن)
على جَبينِكَ المعروقِ من التتبّعِ وَشمٌ لدهشةِ الطائراتِ، تُحِبّ الحريقَ
وهيَ تحَلّق. توَسّعُ المدى وتوَسّعها، ثمّ تُعَمِّقُ للموتى قبورهم؛
جُنودٌ يَربحونَ الحَربَ
وجنودٌ يخسرون
رهانُ مُضاربٍ على قِناع ٍ قديم
دهشَة ٌ في العينين الكليلتينِ، حينما
يُفَسَّر الموتُ ــ برضى الضمير ِ ــ
دَعابة
أو لعبَة مقامر
تنبعثُ غيمة ٌ كالزعفران
تُغطّي القرى
وَتُفَسّخُ الأشجارَ
لِتُعلِنَ الناسَ إضمامة وقودٍ من فحَمْ
أقوى منَ الإلهِ انتحال الأنبياء
أعلى من السماءِ طموح الأدعياء
يأتونَ مثلَ راءٍ مُزَيَّفٍ، راهنَ
على القوَّةِ
ولم يخسر الرهان
رأيتَ
كُلاً في مَخبَأهِ
ووَجهُكَ مُكرَّرٌ في غرفةِ النوايا حتى تعَكرتْ
الرأسُ مغمضُ العينين
لِئلا ترى
كائنات من شقوق السقفِ تدعوكَ الى الوليمة
بأكفّها السكاكين
راقَبْتَ الأفاعيَ تقتاتُ على الأطفال
مُتسللة ً إلى المهدِ الذي تهدْهدهُ
وتعبث في الرمادِ المتبقي أمامكَ
رأيتَ
ما لم نرَ
(في وسْع ِ عينيكَ زُمُرّدٌ ويغطّي حاجبيكَ الذَهَبْ)
هوَ التنبؤُ بما سيأتي
قدَرٌ يحمِلُ ألغازاً، تفَكِكُ أنتَ أسرارها
وتداوي الناسَ ــ منسوخينَ منَ الخوفِ ــ
تُضمّدهم في الأسِرّةِ
جُثثٌ تخَشّبتْ وجَفّتْ منذ عَهْدٍ
يَفعَلُ الحَطّابُ بها ما يريد
مِبْضَعكَ في القلبِ نِواحٌ
وأبوابكَ إليهم مُضَيَّعة المفاتيح
هكذا المدنُ والطرقُ والسماءُ والطعامُ مُفْسَدَةٌ
والماءُ الذي يغسلُ الخطايا
يَسكُبُ تعويذةً للخلاصْ
لكنّهُ دُعاءٌ بِلُغةٍ مُبهَمَةٍ
يَتَحَدّثُ بها الشيطان
تَعرفُ إن الحريقَ الذي سيأتي
يَجيءُ بَعدَهُ الطوَفان
وتراهُ الأنَ ثِماراً فاسِدَةً
تَرى بعَينَيكَ الأوْبِئَة َ واقِفة
راع ٍ يقودُ رَعِيّتهِ إلى الذئاب
وكلّ بابٍ موصَدَة دونهُ على دعاءِ الصلاة
ومن يُصَلّي الفجرَ
يَخافُ غِياب الزمن
رأيتَ
ما لم نرَ
رَأيتَ في الضغينةِ حقولاً لا تتعافى
وفي بذورِ الشّرِ
يَكبرُ الأطفالُ
يَدٌ من المجهولِ تَمْنَعهم، وأنتَ تعود إليهم عجوزاً من الكهوف
على ظهركَ المنحني تحملُ كنوزاً
جَمَعتها من السماء ــ
حينما تخاصمَت الآلهة ُ رَمَتْكَ بالهدايا؛
أسفارٌ لمواعيدٍ لا تتحقق
وتداولٌ لِدَعوَة الإثم
يُبَيّنُ لكَ ما في الليل من إضاءات
تشغلكَ الكتابة ُ على الطين
تأتيكَ وتنهضُ منها السماواتُ، والأنهارُ تفيض.
سماؤكَ رمادِيّة ٌ، ونَهركَ المرتجى طافِحٌ بالجثث
تخوض في لغةٍ أخرى وأنتَ مُتنقّلٌ في الماضي
تمسك بخوفٍ
أصابِعَكَ التبْحَتُ عن الكتابةِ: عِظامٌ ليست لكَ
تختبيءُ في عشبِ الصيفِ مثل طير ٍ مذعور
وأصابع غيركَ على الفأسِ موشومة
تخفي نيتها وتنزلُ على الرقبة
فِخاخٌ هيَ اللغة
والكلمات التي تنحتها مُكرّرة
ينصبها صيّادٌ مُحِبٌ للطيور
وأنت قد خبِرتَ
الكلماتَ
هيَ
مُجَرّدُ كلمات
تمضي بها الى الممالكِ القديمةِ
ثمّ ترجعها، الى الأرض، بالحكمةِ التي لا تجدي.
لكنَ الأرضَ، كما ترى، أرضٌ
وهكذا العناصر الأخرى
لا تتغيّر
هكذا
الخليقة ُهِيَ
لا تحَرَّفُ
و لا تضيَّعُ بالكلمات
رأيتَ
ما لم نرَ
(مدينة من حَجَر ٍ يفيض كلّ عام نهرها ثمّ يَجفُّ. محروسة ٌ بهذا الإدمان وبتقادم الزمن)
الى صَحْن ِ داركَ الصخري لجأت ملائكةٌ
نسِيَها اللهُ أو أهمَلها لِحِكمَةٍ
أخلتْ قلعَة َ ' كركوكَ ' للجنودِ
يَعقِدونَ صفقة ً مَعَ التاريخ، يأخذون مخالِبَه
يَعبرونَ جسرَ المدينةِ الحجري، ليوصدوا أبوابَ ' شاطرلو'
مَدخل الجَنّةِ مُغلقٌ
وفي رأسِكَ يَضيعُ ألَقُ المكان
ترى جنوداً يلبسونَ دروعَ الماضي
يبنونَ القلاعَ
ثمّ يُهَدّمونَ أسوارَها
مُثقّلينَ بالحديدِ ــ تتلصص عليهم ــ يَحرثونَ حدائِقَ ' ألماز'
وفي الفجر، خوفاً من الذئاب، يَصرخ الموتى على تلّة ' دامر باش'
فتحمل لهم رفشاً ليهربَ اللصوص
بعيداَ تتخفى عن 'صاري كهية ' وتحوم حولَ ' عَرَفَه ' المسوّر بالأخضر
أماكنٌ لكَ
تحتفظُ بها، وتحفظها لنا كسوار الذاكرة
غرباء جاء وا كخيال المآتى ؛ عابرو الصحارى ومُهَرّبو الجبال
يخلطونَ الرملَ بالثلج
يطبخونَ على نار ٍ هادرة
يَتخيّلونَ المُدنَ دَعْوَة وليمةٍ
تعطيهم الحجرَ ومنعطفَ الطريق
لكنّ المدينة مبهمة
ولها روحٌ تحْرِسها الآلهة
تخفي عنكَ نهوضها، وفي الأسرار ِ ميراثٌ
يُغني العُمرَ
وَيَقي المدينة
رأيتَ
ما لم نرَ
من زمان ٍ يولدُهذا الطاعون هنا
وكان هذا الحريقُ دوماً
ذريعَة ً للتطهّر
فأرَدتَ أن تأتي إلينا
هارباً
برداءٍ
وبمسوحِ
قِدّيس
غافِلاً بأنّ اليُتْمَ بين اليتامىعواءٌ
ينبعِث من نهش الكلاب
رأيتَ
ما لم نرَ
(فصولاً مُقفرة ً، لا وردة تشعُّ في الذاكرة)
يعيدها الأمواتُ من زمان ٍ رماداً، أو
وجوهاً مُبهمة ً تنمحي، كما الأشباحُ؛
بحمى مريضٍ أو مَعْتوهٍ بماض
ينسجُ أطيافاً لِمؤونةٍ في المجاعة
جئناكَ صباحا، وفي أيدينا مرافئ للسفر
(كلّ بحر كانَ حديقة لزهورنا الذابلة)
جِئناكَ غرقى بالكحول مساءً
ثمّ هادنّاكَ بالحوارات وقت الظهيرة
نحمِلُ ناراً تُوَشّحُ بها غِبطتكَ الأليفة
فارس الوقتِ أسميناكَ
وخيولكَ الخيال
أنتَ هنا، صَحوَة ٌ مُرتجى
وأنتَ هناكَ، بالتذَكر
زؤادَة ٌ في أكياسِنا. ونحنُ، كما ترى
نُقلِّبُ السيرة َونعودُ إليكَ خفيَة
لِنأكلَ معاً فطورَ الصباح
مِنْ زمان ٍ نخافُ معاً
أن يأتيَ الماضي، حاضراً أمامنا
ثقيلاً نمسكهُ
ثمّ نفحَصهُ
غيْمَة من حديد
فتصبَحُ الفصولُ أمامنا مُقفِرَة
رأيتَ
ما لم نرَ
يَمضي الزمانُ بكَ كقطار ٍ عتيق
يُسَيّرهُ اللهُ لكَ بطيئاً
لحكمَةٍ في الموتِ
أو لِنداءٍ من القيامة
أيّامٌ يُلوّثُ دخانها العُمْرَ، ويوشيهِ بالسواد
مثل راياتِ الخطيئة؛
تُشجِّعُ الضرْبَ وتشقّ الصدور
هيَ عُتْمَة ٌ إذا
وأنتَ في الظلمَةِ تفتحُ الضوءَ للمشهَد
ممثلونَ بأقنعةٍ، وحكواتيٌ تحتَ عباءتِهِ ضباع
يَجعَلُ الناسَ في الليل يطوفونَ
وعشاؤهم في صُحون ٍ من الدم
ها نحنُ نرى
وأنتَ، أيضاً، ترى
في الضوءِ العَكِر ِ طقوصاً بأعراس ٍ مُلفّقةٍ تقام؛
خِرَقُ أعلامٍ يباركها اللهُ
مَعْقودَة ٌ سارياتها بالتعاويذِ لِوَجهٍ يتكرر
ماثلٌ بالتفويض يباركُ الجموعَ
فيَعودُ الطبّالونَ، هكذا، من البهجةِ
مُتْعَبينَ
غائبين
قادتْ مَزاميرُهم الناسَ الى البحر غرقى
رأيتَ
ما لم نرَ
(في عينيكَ الدامِعَتينِ حيرة المعرفة)
الدمُ يوغِلُ في المدينةِ
يغسلونَ بهِ الأمواتَ
ويرتدونَ الكفنَ، بُردَة ً مُهَلهَلة ً من بياض
البِلادُ مُسَوّرَة
والروحُ فاسِدَةٌ
وأنتَ، في وليمَتكَ المستمرةِ ساحِرٌ
وحارس للمدينةِ
تُحضِرُنا في غفلةٍ من المحاصرينَ
تحكي لنا عَنِ الخَطايا
وعَنِ العِقابِ
ماثلٌ كفأس
مكتوبٌ على الجبينِ
منذ الأزلْ