ها همُ اجتمعوا يطلبون بِكَ الفرحَ المستحيلْ
أنت يا نبعَ دمعٍ ، وتاريخَ حزنٍ
تعالَ ادّعِ الفرح المستحيلْ
زوّرِ الليلَ ، أخرجْ من الكمّ شمساً
ومن جرحك القاتم اسحب ضياءَ الصباح الجميلْ
ها همُ اجتمعوا : جهّزوا لك السرج والفَرَسَ
استقبلِ الشوطَ
فالفرسُ الدميةُ استقبلت شوطها والصهيلْ
ها همُ مِعَدٌ للطعام ، وأعصابهم أُسرجت للتَعَبْ
ها همُ اجتمعوا أعيناً هُيِّئت للدموعِ
حناجر فارغة جُهِّزت للعويلْ
فابدأ الرقصَ كي يحلموا أنهم يَعْزفونْ
وابدأ الندب كي يحلموا أنهم يحزنونْ
واختتمْ بالصراخ لكي يحلموا أنهم يغضبونْ
إبكِ واضحك وسرْ في تخوم الجنونْ
أنت آخر فهدٍ : فغابات مجدك أضحت صحارى
وجموع توالت تطارد جنسك حتى الإباده
أنت آخر فهد، وأنت الذي لم يُروَّضْ
وهم خلعوا الناب والمخلب الدمويّ
جلودَ الفهود ، ارتدوا لُبَد الهِرَرَه
أنت آخر فهد طريد وحولك يجتمع السَحَرَه
سوفَ تبقى لمتحفهم رمزَ وحش فناه الزمانْ
وستترك حراً وحيداً
بأعماق سجن كبير بدايته في الولاده
سوف تبقى ويجتمع السائحونَ
لكي يشهدوا الوحش، كي يألفوا منظره
سوف تضحي لهم لعبةً
يطلبون التثني ونوم العجوز وحلم الصبيّه
وتُلبّي بغير إراده
ويَلمونَ باسمك مالاً من البَرَرَه
ها همُ اجتمعوا وأحاطوك بالحبِّ
إذ عميت مقلتاك عن المجزره
ها همُ اجتمعوا
هل ستقوى على كلمة الحق في وجه نَخّاسهم
قل لهم كيف أُرسلتَ للحرب
كيف وصلت التخوم ولم تلقَها
كيف فتّشت عنها الخنادق ؟
كيفَ تجاوزتَ خلف خطاها الزَمَنْ
قل لهم كيف عدتَ وحيداً
ولم تَرَ في أرض دارك أرض الوطن
قل لهم كيف لم يقنعوك
حين قالوا بأن طيوراً تحوّم كلَّ مساء
وتَنْقَضُّ تخطفُ بين مناقيرها تربةَ الأرض
تسرق لحم الضحايا
وتترك في الرمل أشلاءهم
ودماء اغتصاب السبايا
قل لهم كيف صدقت كي لا تموت الحكايا
وضحكت كي لا تجن ، فأتقنت ضحكتك الماكره
كيفَ كنت تلوح سعيداً
وأنت ترى تربة الأرضِ
تركض دون رياح ودون سيولْ
كيف أقنعهم بالذي كذبوا
حين قدَّمت من كتب الجن طيراً عجيباً
يشيل الحدود
وينفض كالقمل من جانحيه الخيول
كيف أبصرت أرضاً تزوّر
كيف تحولت الجنة الآن مثل الجحيم
كيف تهمس صبحاً مساء لنفسك هذا العذاب المقيم
أنتِ يا طعنة في الصميم
إسمك القدس لا أورشليم؟
انض عنك الملابس، أظهر لهم بصمات اللصوص
وضرب السياط
ولا تخش أن يدعوا الشهوة الماجنه
كلهم ماجنُ العين والقول، لكن خصيٌّ
عذوبة صوت الديوك
تخبئ بين العروق دم العنّة الآسنة
أصبح الحس إسفنجة تشرب العار
ترخيه بعد قليل هدوءاً ونوماً
أصبح المر طعماً أليفاً
وفي النوم يمتد صوت المنبه حلما
لم يموتوا : فهم ينزفون رجالاً وأرضاً
ويبكون باسم اللياقة بين الجنائزِ
يمضون حتى المقابر
لم يدركوا أنهم يدفنون
غلفوا فلتة الأمر منهم وأخفوا القلوب الطعينه
ثم كزّوا وأدموا الشفاه وغنوا الأغاني الحزينه
من سترثي هنا؟
أي ميت عزيز ستبكي؟
أيا متقناً لغة الموت خاطبْ بها الميتين
واجتهد أن تواريَ ما اعتدت في لحظات العذاب العظيم
أنتِ يا طلقة في الجبين
هل يرد الرصاصة عني جبيني الحزين؟
أنتِ يا طعنة في الصميم
إسمك القدس لا أورشليم؟
كل عار بدمعة صمت، وكل البلاد بإطراقة من حزين
لم يعد ماء دجلة عذباً، ولا النوم في الغوطه الحالمه
صدم الحر قضبانه: عرف الأرض زنزانةً
لم يعد في الشوارع غير الزحام بلا بشر
وبلا ظلمة بقيت قاتمه
لم تعد تجلب الريح من بيدها غير هذا الغبار بلا تربة
غير هذي الغيوم بلا مطر
غير هذا الصهيل بدون خيول
ووجوه بغير عيون نفتِّحها
كيف ننجو من النار ؟
كل العيون ارتمت نائمه
لم يعد في الزمان سوى تكتكات عقارب مشلولة لا تطيق المسير
ليس هذا زماناً : هو الوقفة العائمه
ليس هذا زماني وليس زمان الضمير
] تحت أي لواء سأشهر سيفي؟
وأي لواء يكفنني في النهاية؟
ما الذي يفعل السيف والغمد ضاع
وسيفيَ أضحى وشايه؟
من يخبئ سيفاً وظل الخليفة في كل أرض يطوف؟
ليس هذا زماناً هو الزمن المستحيل
فيه من يمسك السيف مثل الذي يمسك النار دون درايه
يشهر السف جوعي ، وخوفي تمزقَ
كيف أُخبّئ سيفي وجوعي معي ؟
والطريق استحالت صحارى
ورمل الصحارى يشير ويتقن عني الوشايه
يترهب جوعي ، وكلن مسوح التقية لا تستر الشهوة العارمه
حوليَ الآن تبدو بقايا من الأرض ، أو هيكل
فقرات .. سلامية .. جمجمه
ظامئ مات غرقان في النبع
أعمى تُلضُّ خطاه الأشعّة
ميت قضى تخمة بالحياة
وأنا خائف من شجاعة جوعي ومن زمني المستحيل
واقف شجراً ظامئاً في الصحارى
ومائيَ أدمن طعم الرحيل
حوليَ الخوف يضحي تراباً ويضحي سماداً
ويضحي بذاراً ويضحي ثمارا
يزهر الخوف موسمَ جوع ، مناجلَ تحصد جوعي
ويضحي هنا عرقاً يتصبّب ، يضحي فخارا
ينتج الخوف في السهرات حكايا المذلة
حتى تزين في أعين الساهرات السكارى
يصبح الذل طقساً ، ويضحي أثاثاً
وعرضاً نستّره ثم يضحي ستارا
يصبح الذل ضيفاً عزيزاً ، قِرى الضيفِ
يضحي لإكرام من زار
أو هديِ من ضل نارا
يصبح الذب أضحية في المواسم
يضحي بخوراً .. ويضحي مزارا
لوَّن الذل ريش الطواويس حتى تباهوا به في عناءِ
ها هنا امتلأ السوق بالذل فلتبدأوا بالمزادِ
أنتِ يا طعنة في الصميم
قال لي دمك النازف اليومَ
لا تبتئس ، لم تزل في الزمان بقيه
لم يزل ما تبقى من العمر عمراً
ولو كان مثل الهشيم
لم تزل في العذاب تقاوم هذي السبيه
قال لي دمك النازف اليوم
رغم الجفاف الينابيع تجري سخيه
غزتي اليوم أضحت مسيحاً
دماً طازجاً عذَّب الصائمين
صرخة: قف أيا شارب الخمر لا تقترب من دماء المسيح
دمه ساخن، مذ لمسناه دون وضوء يصيح
أي صوت سمعنا وقد سقطت غزة الجرح في حضنهم؟
هل تعود المدينة جرياً إلى قومها النائمين؟
هل تعود السبية إذ تشتهي وتُراوَدُ للميتين؟
كيف تقوى على جر خطو خضيب
وحقدِ مقاومة العمر عزلاءَ للمشتهين
من سيجرؤ أن يلتقي بعيون المدينة يوم اللقاء
غزتي وحدها في الليالي صباح
زهرة في مهب الرياح
وحدها
وحدها وقفت بعد مقتل فرسانها
بعدما ضاقت الأرض
سدَّ الكماة المداخل
حوصر نبع برمل الصحارى
وحدها وقفت بالأظافر تدفع وحش الجموع
وبالحسن والدمع تدفع عنها اشتهاء السكارى
وحدها نَفَسٌ يتردد تحت الخناجر
همس سمعناه بين الوعود
وساقية رطبت حلقنا في الرمال
وحدها أعين لا تنام
تراقب أختاً بنار الجحيم
وحدها تملك الصوت كيما تصيح بعمق الظلام البهيم
أنتِ يا طعنة في الصميم
إسمك القدس لا أورشليم؟
أقبل الزمن المستحيل
وكلن أتتها الدرايه
غزتي تمسك السيف ناراً
فتجعل نار الجريمة سيفاً
تخطَّ به الدرب حتى النهايه