محمود غنيم

1901-1972 / المنوفية

شعب واحد ورب واحد - Poem by محم

الله أكبر! شعبٌ قام شاعرُه
يَشْدُو، فأَنْصَت الأيكِ طائرْ
شعبُ العروبة صان الله وحدتَه
تُحصَى النجومُ، ولا تُحصَى مفاخرُه
إن خطَّ أو سوَّد التاريخُ سيرته
تهتزُّ من روعة الذكرى مشاعره
إن كان ماضيه بالأمجاد محتشدًا
فما تخلَّى عَنِ الأمجاد حاضره
كالكرم طاب جنيً في كف قاطعه
وزاد من طيبه في الدَّن عاصره
مجدُ العروبة مرهونٌ بوحدتها
والخُلْف أوله ضعفٌ، وآخره
هيهات ينهض شعب بعد كَبْوتِه
إلا إذا اتـحَّدتْ قلبًا عناصره
والشعبُ وحدتهُ أقوى ذخائره
يوم الحقيقة إن عُدَّت ذخائره
هي السلاحُ بيمناه إذا خَمَدَتْ
نيران مِدْفعه، أو فُلَّ باتره
يا رُبَّ شعب شتيتِ الشمل منقسم
من ضعفه قُلِّمَتْ منه أظافرهُ
ما عاش يومًا وإن طال الزمان بهِ
بل دُورُه حين تأويه مقابره
له من الوطن المحتلِّ مغفرة
إذا أقام، وللمحتلِّ عامره
يعيش في داره عبدًا لآسره
الطفل زاجرهُ، والعبدُ آمرُه
من يرضَ بالعيش في ظل الهوان، فلا
آوتْه أرضٌ، ولا قرَّتْ نواظره
والمرء تُشقيه يمناه، وتُسْعدُه
وإن تكنْ بيد المولى مصايره
للعُرْب دين على التوحيد مرتكزٌ
إليه باطنُه يدعو، وظاهره
ما سرُّ قوته في غير وحدتهِ
على مبادئها قامَتْ شعائره
حَسْبُ ابن آمنةَ الزهراءِ معجزةً
شعبٌ على يده انضمَّتْ عشائره
مازال يَخْبِطُ في دَيْجُور فُرْقتهِ
حتى تألَّفَ بالإسلام نافره
تمَّت على نَغم القرآن وحدتهُ
كأنما سحَرَ الألباب ساحره
وطبَّق الكونَ طيْفٌ من مهابتهِ
وأوْغَلَتْ في نواحيه عساكره
إن يذكرِ العَرَبَ ارتاعَتْ قياصِرهُ
وبات يخفقُ من رُعْبٍ أكاسره
شعب من البيد ظهْرُ العِيسِ مَرْكَبُه
أطاعه الكونُ: باديه، وحاضره
البَرُّ من خيلهِ يَرْتَجُّ يابسُهُ
والبحر من سُفْنِه يهتَزُّ زاخره
قم سائل البحرَ -بحرَ الرومِ-: هلِ عَجبتْ
أمواجُه وفتى الصحراء عابره؟
مَنْ علَّم البدويَّ الماء يركبُهُ
فراح يَمْخُرُ لُجَّ البحر ما خره؟
ما كان يعرف إلا الماء منسكبًا
من الغمامِ إذا ما جاءَ ماطره؟
حتى إذا اشتَدَّ بالتوحِيدِ ساعِدُهُ
مَشَى على الماء تَعْلُوه دساكره
لولا معاقلِ قسطنطينَ، لانطَمَستْ
آثارُ دولتهِ، وانْفَضَّ سامرهْ
سَلِ العروبةَ في شَتَّى مرابعها
عن مَجْد أوَّلها: هل عاد داثره؟
إِنِّي لألمحُ في آفاقها ألقَاً
مِنْ فجرِ نهضتها لاحَتْ بشائره
إنْ صحَّ ظنيِّ، فإن النصرَ عن كثَب
من شعبها. لِمَ لا، والله ناصره؟
شعبٌ تخلَّص من أغلاله، ومَضَى
يجرُّ ذيلَ رداء الذُّلِّ آسره
ففي الكنانة: شعبٌ صان حَوْزتها
يوم القناةِ في الذُّؤْبَانِ كاسره
وفي الجزائر: شعبٌ شنَّ معركةً
على المظالمِ خاضَتْها حرائره
وفي الشآم: وئامٌ لا يزال -على
رغم الحوادثِ- ما انْبَتَّتْ أواصره
وعبرَ دِجلة: شعبٌ قامَ قَوْمتِهُ الـ
ـكُبْرى، وثار على الطُّغْيان ثائره
وحَوْلَ صنعاء: جيشٌ ثَلَّ قائدُهُ
عرشًا يُتاجرِ بِاسْمِ الدين تاجره
هي العروبةُ، عينُ الله تَكْلَؤُها
ما دَارَ في الفلك الدوَّارِ دائره
أبناءَ يَعْرُبَ، هذا اليومُ يومُكمو
يومٌ أغرُّ، صَبيحُ الوجهِ، ناضره
عَهْدُ السلاسل والأغلالِ قد ذهبت
أيامُه السُّودُ، وانجابتْ دَيَاجِره
بالله، لا تُنْسِكم أعْرَاسُ نصركمو
خصمًا عنيدًا، وأقوامًا تؤازره
على تُخومِكُمُو، يا قوم، عن كثب
خَصْمٌ أَلدُّ خَئُونُ العهد، تحاذِرُه
وكيف نأمَنُه والسُّمُّ في فمه
وليس يزحفُ إلا وَهْوَ فاغره؟
وكيف نأمن قومًا لا أمان لهم؟
إني أرى كيدَهم تبْدُو بوادره
نارُ العداوة يَصْلاها مُؤَجِّجُها
والجُبُّ يسقط في مَهْواه حافره
صَفُّوا سرائرَكم من كلِّ شائبة
تصفُو الحياةُ لمن تَصْفُو سرائره
لا تذكُرُوا خَطَأَ الماضي وحَوْبتَهُ
ما كان من خطإ فالله غافره
تُنسَى الذنوبُ مع القُرْبى وإن عَظُمت
إن الشَّفيقَ صغيراتٌ كبائره
إن الإخاء -إذا ما الإخوةُ اختصموا
على الخصومة- مُرْخَاةٌ ستائره
إن يلتئمْ شملُكُم، لاَنَ الحديدُ لكم
كما يُلينُ الحديدَ الصلبَ صاهرُه
إن تطلبوا المجدَ؛ فالصاروخُ مُنْطَلِقًا
ووَحدة الصَّفِّ، والشورى مصادره
كأنني ألْمَحُ التاريخَ، مُنْتَضِيًا
يراعَهُ، وبيمناه دفاتره
كما اطَّلعتُم على تاريخ غابرِكم
تاريخُكم في غدٍ تُتْلَى محاضره
جمالُ، تَمِّمْ لشعب الضادِ وحدتَهُ
فإنما هي حَبٌّ، أنت باذره
لا خصمَ للعُرْب مهما عَزَّ جانِبُه
إلا وأنت بعونِ اللهِ قاهره
ينام شعبُك في أمْن، وفي دعةٍ
وأنت -وَحْدَك- طولَ الليلِ، ساهره
أقسمتُ، ما عادت الأَهرامُ مفخرةً
للنيل، بل إن فَخْرَ النيل ناصره
سَيْفُ العروبة، سيفُ اللهِ أنْتَ، ولن
يُفَلَّ سيفٌ إلهُ العرشِ شاهره
197 Total read