محمود غنيم

1901-1972 / المنوفية

صفاء النفس - Poem b

دعِيني أَنْجُ من دنيا الهُمُوم
وفي ملكَوت عرشِ الله هِيمِي
دعي خُدَع المُنَى يا نفس؛ إِنِّي
أريد البحثَ عن عيشٍ كريم
لقد مَنَّيْتِني دهرًا طويلاً
فعُدتُ؛ وما حصدتُ سوى هَشيم
فأعْطيني مقادَك، واتْبَعيني
أقُدْكِ إلى الصِّرَاط المستقيم
ألا، يا نفسُ، لو تصفينَ يومًا
لكنتِ أرقَّ من مَرِّ النسيم
وطِرْتِ بخَافيَات من ضياء
ولم تمشي على ظَهْر الأديم
وكدتِ تُحَلِّقين مع الثُّريَّا
وتَتَّخِذِين بُرْجًا في السَّدِيم
وأدركتِ الذي لا تحتويه
بطونُ الكُتْبِ من شَتَّى العلوم
ولم تخْفَ الحقائُق عنكِ مهما
خَفِينَ عن المدارك والفُهُوم
ولم يصرفكِ عن أُخْرَاكِ شَيْءُ
وغيرَ رضاء ربِّكِ لم تَرُومي
ألا، يا نفسُ، وَيْحَكِ! لَسْتِ نفسي
إذا حاولت نَيْلاً من غريمي!
فَسُلِّي الضّغْن من جَنَبَات صدري
وَرِقِّي للأَحبَّة والخُصوم
وكوني: من حَبَاب الماء، أو من
عَبِير الزَّهر، أو ألق النُّجوم
إذا ما الحَرْبُ حول الزَّاد قامتْ
فخَلِّي الزادَ ناحيةً، وصُومي
دَعينِي لا أعِشْ إلا بِرُوحي
فقد كُتِبَ الفناء على الجُسوم
أحِبِّي كلَّ حيّ؛ لا تخصِّي
بحبِّكِ كلَّ ذي وجه وَسيِم
مَتَى، يا نفسُ، لا تُبدِين زهوًا
بما أحرزت من حَطٍّ عظيم؟
متى ألقاك لا تُلْقِين بَالا
لما يعرُوك من خَطْب جسيم؟
يكون الكونُ حولكِ مُكْفَهِرًا
وتبتسمين عن دُرٍّ نظيم؟
بربك، كم شربتِ كئوسَ راح
مُشَعْشَعَة، وأخرى من جحيم؟
فهل كان الأسى والبِشْرُ إلاَّ
كأطياف السَّحَائب والغُيوم؟
وكل لَذَاذَة تفني، وَيَبْقَى
متاعُ الخُلدِ في دار النعيم
إذا دَجَت الحوادث؛ فاستضيئي
بنور اللهِ في الليل البَهِيم
ودُومي إن أردت الله ذُخْرًا
على التَّقْوى، وعنها لا تَرِيمي
ولا تُصْغي إلى همس الأماني
وإلا، عشْت في همٍّ مُقيم
وحسبُك سَلْسَلُ الفردْوس راحًا
وسِرْبُ الحور حَسْبُك من نديم!
وأين الحورُ من نَدْمان سوء
وخمر الخلد من حَلَبِ الكروم؟
إلى الله اتَّجهتُ بكلِّ قلبي
وأسأَلُه العادة للُعمُوم
سألتُ الله للمُثْرى مزيدا
من النُّعْمى، ويُسْرًا للعديم
سألتُ الله يَمْحُو الدَّاءَ محْوًا
فلا تقع العيونُ على سقيم
سألتُ الله للعَانِي انطلاقًا
وعطفَ أب وأُمٍّ لليتيم
سألتُ الله الدنيا سلاَمًا
يعيشُ الليثُ فيه مع الظَّلِيم
ولولا أنني أدْرَى بقدري
سألتُ الله في أهل الجحيم
وقلت له: أتُصْلي الناسَ نارًا
وقد سمَّيْتَ نفسَك بالرحيم؟
137 Total read