محمود غنيم

1901-1972 / المنوفية

لا نكسة - Poe

مَنْ قال: إن اللَّيْث ولّى مُدْبرًا؟
الأُسْدُ إِنْ وثبتْ، تعود القَهْقَرى
إن الشجاع يَفرُّ في سَاح الوَغَى
لِيَكِرَّ من بعد الفرار مُظَفَّرا
لا يَفْرَحَنَّ المُفْترون بجَولَة
كسبوا بدَايَتَها، وخابَ مَنِ افْتَرى
قل للأُلى بدءوا بدَايةَ هتْلَر
سَتُجَرَّعُون غدًا نهايةَ هتْلَرَا
إنا تركنا الخصْم يضحك أَوَّلاً
ليزيد نَوْحَا حين نَضْحَكُ آخرا
وَلَرُبَّ ضرْغَام أُصيب بلدْغَة
من عَقْربٍ دبَّتْ على وجه الثَّرى
يا شعبَ إسرائيلَ، غَرَّكَ ماردٌ
في الحرب لاقى غَيْرَ كُفْءٍ، فازْدَرى
إنَّا جُنودٌ بني النضير، وخَيْبَر
ولَتَلْحَقَّنَّ بني النضيرِ، وخيبرا
كذب اليهودُ؛ فما أقاموا دَوْلَةً
في أرضنا، لكن أقاموا مَنْسَرا
الغدرُ دَيْدَن شعبهم؛ فلوَ أنَّهُ
يومًا وَفَى، لعجبت ألاَّ يَغْدرا
قالوا: عبدنا ربَّ موسى وحدَهُ
قلنا: عبدتم ذا الرَّنين الأصْفرا
ليست لإبراهيمَ نسْبَتكُم، وَلاَ
لبنيه؛ لكنْ تُنْسَبُون لآزرا
لو تسألون أبا البَرايا آدمًا
هل من سلالِتكَ اليهودُ؟ لأَنْكَرا
يأيها العربي، لا ذُقْت القرَى
أبدًا، ولا نِعمَتْ جُفونُكَ بالكرى
لا يرقد العربيُّ ملءَ جفونه
ويذوقَ طعمَ الزادِ حتى يَثْأَرا
شرفُ العروبةِ بات وَهْوَ مُلَوَّثٌ
بالعار، لا تَلْبَسْه حتى يَطْهُرا
عارٌ علينا لُبْسُهُ حتى يُرَى
مُتَطَهِّرًا، بدم العِدا متعطِّرا
ليث العروبة ما عَرَا أظْفارَهُ؟
ويلاه من هِرَّ على الليث اجْتَرا
نَمِرُ العروبة ما دَهَا أنيابَهُ؟
أوَمَا رأى ذئبَ الفلاةِ تَنَمَّرا؟
نِسْرُ العروبة ما أصاب جَنَاحَهُ؟
قولوا له: إن البُغَاثَ اسْتَنْسَرا
صاروخُكُمْ سَمَّيتُمُوه قاهِرًا
ما عاقَهُ يوم الوغى أن يَقْهرا؟
صاروخكم سميتموه ظافِرًا
ما عاقَهُ يوم الوغى أن يَظْفَرا؟
صاروخكم سميتموه عابِرًا
ما عاقه يوم الوغى أن يَعْبُرا؟
ويحي على تلك الصواريخ التي
تَأبَى غَدَاةَ الرَّوْع أن تنفجَّرا
لا تَحْلُموا بالنصر حول موائدٍ
أضْفَى عليها الزَّيْفُ لونًا أخضرا
بل عنه في سُود الوقائع فَتِّشُوا
أو فَاسْأَلُوا عنه النَّجيعَ الأحمرا
قالوا: الحقوقُ، فقلت: لفظٌ لم أجدْ
عنه كَألْسِنة اللَّهيب مُعَبِّرا
أنصِتْ إليه إذا المَدَافعُ أَطلَقتْ
تَسْمَعْهُ من أفواههن مُفَسَّرا
النصر ليس يَنالهُ بسؤَاله
شعبٌ ضعيفُ الحَوْل، مَحْلُولُ العُرا
للنصر جيشٌ في الحروبِ مُزَوَّدٌ
من عزمه الماضي بجيش آخرا
يا رُبَّ فرد في الكريهة واحد
بالصدق والإيمان يَعْدلُ عَسْكَرا
من عاش في جوِّ القصورُ مكَيَّفًا
فعلى الحروب وهولها لَنْ يصبرا
من بات بيْنَ وسائد ونَضَائد
فَعَلَى المبيت بخندق لن يَقْدرا
للحرب جندٌ يصبرون على الطَّوى
يوم اللقاء، ويلبسون العِثْيَرا
ويرون جَوْف الرمل أجملَ فُنْدُق
وروائحَ البارُود تنفح عَنْبَرا
ويرون قَصْف المِدْفعيَّة أُرْغُنًا
يَشجي، وقعقعةَ الحناجر مِزْهرا
ويَروْن أن الجُرح يحكي مُقْلةً
حوراء، والدم كالشراب مُعَصْفرا
ويَروْن أن من اسْتُبِيحَ له حِمًى
يلقى المنايا، أو يعيشُ مُحَرَّرا
منِّي على فتنامَ ألفُ تحيَّة
حَيُّوا معي الشعبَ الذي بَهَرَ الورى
يا أيها الشعب الذي ما هَالَهُ
عددُ العدو؛ فكان منهُ أكثرا
عَلَّمْتَ أهْلَ البغي: أن البغي لا
يُغني، وأنَّ جنودَهُ لن تُنْصرا
وأريتَهُ أن الضَّعيف بحقِّه
بطلٌ يُذلُّ العَاتيَ المتجبِّرا
وكتبتَ في التاريخ أروعَ قصَّة
من غَضْبَةَ الآسادِ إنْ ديسَ الثَّرَى
قولوا لواشنطونَ تسحبُ جيشَها
فمواطنُ الأحرارِ لن تُسْتَعْمَرا
أيسيطرون على شعوبٍ حرَّةٍ
وعليهمو شعبُ اليهود تسيْطَرا؟
شعبَ العروبةِ، ما فعلتَ بخالد
وتُرَاثِهِ؟ أترى التراث تبعثرا؟
إنِّي لأَلمح روحهُ من فوقنَا
قد رفرفت، مثلَ الخيال إذا سَرَى
تَرْنُو إلى اليَرْمُوك وَهْي مُشيحَةٌ
وتقول: إني لا أُصدِّقُ ما أرَى
أين الفتوحاتُ التي استخلصتُها
من دولتَيْ: كِسْرى العظيم، وقَيْصَرا؟
بِمَ كان يُنْصرُ خالدٌ؟ ألأنَّهُ
من جَنْدَل، لا من تراب صُوِّرا؟
قد كان ذا رأس يطيرُ بضربة
ودم إذا جُرِحَتْ جوارحُهُ، جرى
لكنهُ يغْشَى الوغى مُتَقَّلِّدًا:
بالصبر دِرْعًا، والعقيدة مغْفرا
الله أكبر سيفُهُ وقناتُهُ
ما خاب عند الحربِ شَعْبٌ كَبَّرا
يا قوم، هُبُّوا هبةً مُضَربَّةً
إن الفتى العربيَّ إن دُعِي، انْبَرى
ضُمُّوا الصفوفَ، ووحِّدوا أَشْتَاتَكمْ
في الوحدة النصرُ المبينُ مُؤزَّرا
قالوا: الوباء، فقلت: إن القُدْسَ قَدْ
نزل اليهودُ به، فكانوا أخطرا
لم يتركوا للمسجد الأقصى، ولا
للعُرْب فيه مَنْسَكًا، أو مَشْعَرا
أن يظْهرُوا، يا قوم، لم يُبْقُوا لنا
أو للأذان، أو الحَنيفَةِ مَظْهَرا
إني لأُشْهِدُكم على ما قلتهُ
وعليه قد أشْهَدْتُ هذا المِنْبرا
ماذا أقولُ؟ أقولُ: فيلٌ صَادَهُ
جُرَذٌ، وسِرْحَان أذلَّ غضَنْفَرا؟
أنا إن عَذَرْتُ، فإن جيلاً بعدكم
يا قوم، من أبنائكم لَنْ يَعْذُرا
أنا إن غَفَرْتُ، فليس للتاريخ إنْ
يَكْتُبْ لعصر مقبل أن يَغْفرا
لا يرحم التاريخُ في الأَحكام، إنْ
قَاضَى مُسِيئًا، أو أدَانَ مقصِّرا
أعلى الفدائيين نلْقى عبْئنَا
ونُطِلُّ من خلف الستار لنَنْظُرا؟
أين الذي يَلْقَى الأعادي جَهْرَةً
ممَّنْ يُغِيرُ عَلَيْهمُو مُتَسَتِّرا؟
يا مَعَشر الفتح المبين وجندَهُ
حُيِّيتُمُو جندًا وطِبْتُمْ معشرا
أنقذتمو شرفَ العروبةِ بعدمَا
أمسى على وجهِ التُّراب مُعَفَّرا
وبذلتمو أرواحَكُم لبلادكُمْ
ثَمَنًا، وجَلَّ المشترِي والمشتَرّى
ياليتني قد كُنْتُ في يَد بعضكُمْ
لغمًا يصيب به العدُوَّ مدمَّرا
أو حرْبةٌ مَسْنُونَةً، أو مدْفَعًا
متفجرًا، أو صَارمًا، أوْ خِنْجَرا
ما ضَرَّ شعبًا أنتمو من أهله
أن يستطيل على الشعوب ويَفْخَرا
إنا لنرجو أن يكون صُمُودُكمْ
لِنْكُوصنَا يوم الحسابُ مكفِّرا
النصر حَسْبُكمو إذا فُزْتُم به
فَخْرًا، وحَسْبُ شهيدكم أن يُؤْجَرا
لو يعلمُ الشهداء أجرَ جهادهمْ
ودُّوا لَوَ أنَّ الموت فيه تكرّرا
قولوا لمن رُزِق الشهادة منكمو
يصفِ الجِنَانَ، وحُورَها، والكوثرا
واللهِ، ما خدم البلادَ كَمُفْتدٍ
قَدْ ذاد عَنْ حُرُماتها متنكِّرا
لا المجد أمَّل من وراء جهادهِ
كلاَّ، ولا اتَّخذ الإغارةَ مَتْجَرا
من يذكرُ الأوطان يَنْسى غيرَها
أجْدِرْ بها هي وحدَها أن تُذْكَرا
شُنُّوا عليهم كلَّ يومٍ غارةً
في كل وادٍ، في المدائِن، في القُرى
وقفوا لهم في كلِّ دربٍ، واكْمُنُوا
تحت السُّفُوح، وحَلِّقُوا فوق الذُّرا
لا تتركوهم يَنْعَمُون برَوْضَةٍ
في القُدْس، أو يجنون كَرْمًا مُثْمِرا
إن يَطْعَموا، وَجَدُوا الطعام مسمَّمًا
أو يشربوا، وجدوا الشراب مُكَدَّرا
أو يَدْرُجُوا فوق الثَّرى، لا تلبث الْـأَقدام
بالأَلْغام أن تتعثَّرا
أو يرقدوا، حلموا بضرٍّ منكمو
قد هبَّ من تحت السرير مُشَمِّرا
وثقوا بأنَّا لاحقون بكم غدًا
ولسوف نُعْلِنُهُ جهادًا أكبرا
143 Total read