محمود غنيم

1901-1972 / المنوفية

فجر السلام - Poem b

أدْركْ بفجرك عالَمًا مكروبَا
عوَّذتُ فجرك أن يكون كذوبا
يأيها السِّلمُ المُطلُّ على الورى
طوبى لعهدك، إن تحققَّ، طوبى
ما بالُ وجهك بعد طول حجابهِ
يحكي وجوهَ العاشقين شُحوبا ؟
رُحماك طال الليل واتَّصل السُّرى
حتى تساقطت النفوسُ لُغوبا
لم يَبْقَ في مجرى الدماء بقيَّةٌ
شكَتْ العروقُ من الدماء نُضُوبا
طحنت فريقيها الحروب بضرسها
لا غالبًا رحَمتْ ولا مغلوبا
لما شدا بالنصر شاديهم بدا
لحنُ السُّرور على الشفاهِ غريبا
جاءوا بيوم النصر يمخُرُ فلكهُ
سيلاً من الدَّمِ والدموع صبيبا
ملئوا الكئوسَ فَكُلَّما همُّوا بها
ذكروا بـحُمرتها الدمَ المسكوبا
فتَّشتُ بين المحتفين فلم أجد
إلا طعينًا في الصميم أصيبا
كم في غمارِ المحتفين خطيبة
باتت تناجي في التراب خطيبا
مَن فارقَتْهُ يداه في ساح الوغى
أنى يصفِّق للسلام طروبا ؟
قم سائل النيرانَ ماذا أنضجت
أسبائكًا أم أكبدًا وقلوبا ؟
وسل المحيطَ الغَمْرَ كم نفْسًا به
قرَّتْ وكم كنزًا حواه رغيبًا؟
أعراسُ يومِ النَّصر أين نقيمها ؟
المُدْنُ صِرنَ خرائبًا ولهيبا
هيهات أن تنسى البلادُ حدادها
أو تستردَّ جمالها المسلوبا
تعدو الحضارة وهي داءٌ فاتكٌ
وتسيرُ في خَطْو الكسيح طبيبا
وهي الجراح إذا اندملْنَ فإنما
يتركْنَ في جسد الريح ندوبا
الأوصياءُ القيِّمون على الورىْ
تركوا الورى بدمائهم مخضوبا
فَرَض القوى على الضعيف رقابة
من ذا يكون على الرقيب رقيبا ؟
من للرَّعيل ومن لقادته لقد
ضلَّ الجميعُ مسالكًا ودُروبا ؟
خلُّوا مقاليد الشُّعوب لأمَّةِ
عزلاءَ تقنعُ بالكفاف نصيبا
القُوتُ عنوانُ الحياة فما له
أمسى يبيد ممالكًا وشعوبا ؟
يا رُبَّ جبَّارٍ يصول بجنده
أمسى بأيدي جنده مصلوبا
وطِئَ النساءُ رفاتَهُ ولربما
كان اسمُهُ عند الرجال مهيبا
ومؤمِّل مُلكَ الثرى وَلى فما
أَجْرَى دموعًا أو أثار نـحيبا
لم يَلقَ قبرًا فوق أرضٍ طالما
فتحتْ له أحْضانها ترحيبا
حتام نَنْعَتُ بالبطولة فاتكًا
يحكي الوحوش ضراوة ووثوبا ؟
ينقضُّ من أعلى عُقابًا كاسرًا
ويدِبّ مثل الأُفْعُوان دبيبا
لا تجعلوا سَفكَ الدماء مناقبًا
للفاتحين بل اجعلوه ذنوبا
والله ما كسَبَ الحروب معاشرٌ
ليس السلامُ لديهمو مكسوبا
إنا نريد من السلام لُبابه
لا لفظه أو صكَّه المكتوبا
إن تكتبوا للسِّلم عهدا فاجعلوا
دمعَ الثكالى بالمداد مشوبا
أو فانقشوا بدم الضحايا خطَّهُ
وتذكروا يومًا قضوْه عصيبا
صوغوه عدلاً للبرية شاملاً
لا مرتعًا للأقوياء خصيبا
واستشهْدُوا الرحمن فيه عليكمو
وكفى بربك شاهدًا وحسيبا
اللهُ خَلقَ الشُّعوب سواسيًا
لا رَبَّ بينهمو ولا مربوبا
لن يستقيم لكم سلامٌ ماشكًا
شعبٌ ضعيفٌ حقَّهُ المغصوبا
لن تبلغ الشطَّ الأمينَ سفينةٌ
تركت بها أيدي البُناة ثقوبا
539 Total read