أيها العُرْبُ أرْهِفوا الآذانا
هل سمعتم -كما سمعتُ- الأَذانا؟
هاتفٌ عُلويُّ الدعاء إلى الوحــدةِ
من عالَمِ الخلود دعانا
أيها الهاتفُ السَّماويُّ أذِّن
في البهاليل من بني عدنانا
قد لمستَ الشَّغافَ من كلِّ قلبي
وأثَرْت الشعورَ والوجدانا
رجَّعَتْ صوتَك الحناجرُ في مصــر
في جِلَّقٍ وفي بغدانا
نبا حين زار قبرَ صلاحِ
هزَّ عِطفيه في الثرى نشوانا
رددته الجنود في كل ميدانٍ
نشيدًا فزلزل الميدانا
ووعاه رهطُ ابن مريمَ إنجيــلاً
ورهطُ ابنِ هاشمٍ قرآنا
وتغنَّتْ به شفاهُ العذارَى
ما أحبَّ الشفاهَ والألحانا
وحدةٌ لم تشنَّ فيها حروب
لا ولا سالت الدما غدرانا
قد أقمنا في كل صدرٍ لها حفــلاً
، وفي كلِّ مهجة مِهْرجانا
حقَّقَتْنَا إرادةً حرةً في
أُممٍ حرةٍ تعافُ الهوانا
ما بناها إلا أشاوِسُ صيدٌ
عِتْرَةٌ السِّبْط أو بنو مروانا
يا وفودَ الأحرار من كلّ قطرٍ
عزَّ كالنجم في السماء مكانا
يمقت الضيم؛ كلما سِيمَ ضيمًا
هبَّ في وجه ربِّه بركانا
قد رسمتم خطوطَ وحدَتنا الــكبْرى
وكنتم لسِفْرِها عنوانا
لكأنِّي بغيثها صار سَيْلاً
طاغِيَ الماء يَجرفُ الطغيانا
وكأنِّي بظلها صار لفْحًا
كلما هب يَصْهَرُ الأبدانا
وكأني بسلمها صار حربًا
واستحالت أنوارُها نيرانا
واستحالت أنغامُها زمجراتٍ
تتحدَّى العروشَ والتيجانا
وأحاطت بالمارقين وإن لم
تشهرِ السيف، أو تَسُلَّ السنانا
قوَّةُ الشعب من قوى خالقِ الشَّعْــبِ
إذا ما تحدَّتِ السلطانا
وإذا الشعبُ ثار يومًا على الغاشم
، كانت شياهُه ذؤبانا
وغَدَتْ كلُّ ذاتِ طَوْقٍ عُقابًا
وغدا كل أَرنب أُفْعُوَانا
يغفرِ الشعبُ كلَّ ذنب، ولا يمــنحُ
عرشًا أذلَّهُ غُفرانا
عَصفَ الدهرُ بالعروش، وولى
عهدُ، كسرى وقيصرٍ لا كانا
ليس في كفِّ عاهلٍ صوْلجانٌ
حَمَل الشعبُ وحدَه الصولجانا
يا حماةَ الذِّمار في سفح «أورا
س وأُسْدَ العرينِ في نَجْرَانا
يا بني العمِّ في العقيق، ونجد
وبني الخالِ في ربا عَمَّانا
أزِفَتْ ساعةُ النهوض فهيَّا
ليس باليَعْرُبِيِّ من يَتَوَانى
فُتِحَتْ دارةُ الخلود، فإن زُرْ
تم وجدتم ببابِها رِضْوانا
بَاسِمَ الثغر قبل أن يفتح الباب
، لمن زار يفتح الأحضانا
رجلٌ هامَ بالعروبةَ حتى
صار رمْزًا لها، وصار كيانا
هي في جسمه مع الدم تسري
لا وَريدًا أبْقَتْ، ولا شريانا
كلما حاق بالعروبةِ خَطْبٌ
كان شطًّا تُلْقِي عليه الأمانا
واقفٌ عمرَه على الذَّوْدِ عنها
لو رماها الزمان أضحى الزمانا
أمَّةٌ في هُدَى جمالٍ تَفَانَتْ
وجمالٌ في حُبِّها يتفانى
ما جمالٌ في الأرض إلا أمانٍ
لبني العُرْب صُوِّرَتْ إنسانا
شَمِلَتْنا عنايةُ الله حتى
جعلتْنَا بفضله إخوانا
قد مَحَوْنا من الوجود حدودًا
وتُخُوما تفرق الأوطانا
واتَّخذْنا حبَّ العروبةِ دينًا
يجمع المرسلين والأديانا
وحَفَرْنا في باطن الأرض جُبًّا
ودفنَّا الأحقادَ والشَّنآنا
وصلاتُ القُرْبى على التُّرْبِ ستر
مُسْبَلٌ، جلَّ قدرُه أو هانا
وكرامُ النفوس تَنْسى إساءاتِ
الموالي، وتَذْكُرُ الإحسانا
إنَّ من خَصَّ كل قوم بِلِسْنٍ
جعل الضادَ للكرام لِسَانا
ما جَنَيْنا من الخلافِ ورودا
بل جنينا القَتَادِ والسَّعْدَانا
حَسْبُنَا أن عصبةً لَفَظَتْها
كرةُ الأرض تستَبِيحُ حِمانا
ولوَ أنَّا لدى الزحفِ صفًّا
ما دَهَانا من الأسى ما دهانا
بل قذفنا العدوَّ في مَوَجِ البحـر
، وقُتْنَا من لحمه العِقْبانا
ولوَ أن العدوَّ بالجنِّ من جنــدٍ
سليمانَ والرياحِ استعانا
إن حول الأردُنِّ حقًّا سليبًا
إن نسيناه، فهْوَ لا ينسانا
الشطوطُ التي على جانبيه
كلَّ يوم تَستصْرِخُ الجيرانا
والنجومُ التي تُطِلُّ عليه
في دجى الليل تُنْكِرُ السُّكَّانا
لهفَ نفسي على عَرينةِ أُسْد
أبدلوها بأُسْدها قُطْعَانا
وطيور عن الخمائل ذِيدت
وجراد تسلَّقَ الأغصانا
ومَغَانِ حَنَّتْ إلى الأهل أرضًا
وسماءً، واستشرفَت جدرانا
أيها الدهر، إننا عربٌ، لســنا
على الذَّحل نَغْمِضُ الأجفانا
ليس يرضى الكريمُ أن يلبسَ العار
، ويرضى أن يلبسَ الأكفانا
نَبِّئِ القومَ: أن للقوم يومًا
قُدَّ من فحمة الدجى طيلسانا
جمع العُرْبُ أمرهَم من شتات
إن للعُرْب بعد ذلك شانا
سوف نـحيي تراثَنا من جديد
ونزيد الترَاث آنًا فآنا
أو لسنا الشعبَ الذي قهر الفرس
قديمًا، ودوَّخ الرومانا؟
وله كانت الملوكُ عبيدا
وبناتُ الملوكِ كانت قِيَانا؟
سائلوا موكبَ الحضارة عَنَّا
مَنْ حَماها من المغول سوانا؟
أيْن عهدُ الرشيد حين تحدَّى
في السموات عارِضًا هتانا؟
كان هذا تاريخَنا يوم كنا
وحدةً في الحروب لا وحدانا
إن للعرب ماضيًا؛ فاطلبوه
في مناطِ الجوْزاء أو كيوانا
انزعوه من فَكَّي الدهر قَسْرًا
كلُّ صعب يراض بالقسرِ لآنا
املئوا البر زاحفاتٍ ثقالاً
واملئوا الجوَّ كلَّه عِقبانا
واملئوا غارِب العُبَاب سفِينًا
ثم غُوصوا في جوفهِ حيتانا
نـحن في عالمِ الصواريخ، والذَّر
فلا عاش مَنْ يعيشُ جبانا