محمود درويش

1941-2008 / الجليل / فلسطين

طريق دمشق - Poem

من الأزرق ابتدأ البحر
هذا النهار يعود من الأبيض السابق
الآن جئت من الأحمر اللاحق
اغتسلي يا دمشق بلوني
ليولد في الزمن العربي نهار
أحاصركم: قاتلا أو قتيل
و أسألكم .شاهدا أو شهيد
متى تفرجون عن النهر. حتى أعود إلى الماء أزرق
أخضر
أحمر
أصفر أو أي لون يحدده النهر
إنّي خرجت من الصيف و السيف
إّني خرجت من المهد و اللحد
نامت خيولي على شجر الذكريات
و نمت على وتر المعجزات
ارتدتني يداك نشيدا إذا أنزلوه على جبل، كان سورة
'ينتصرون'
دمشق. ارتدتني يداك دمشق ارتديت يديك
كأن الخريطة صوت يفرخ في الصخر
نادى و حركني
ثم نادى ..و فجرني
ثم نادى.. و قطرّني كالرخام المذاب
و نادى
كأن الخريطة أنثى مقدسة فجّرتني بكارتها. فانفجرت
دفاعا عن السر و الصخر
كوني دمشق
فلا يعبرون
من البرتقالي يبتديء البرتقال
و من صمتها يبدأ الأمس
أو يولد القبر
يا أيّها المستحيل يسمونك الشام
أفتح جرحي لتبتديء الشمس. ما اسمي؟ دمشق
و كنت وحيدا
و مثلي كان وحيدا هو المستحيل.
أنا ساعة الصفر دقّت
فشقت
خلايا الفراغ على سرج هذا الحصان
المحاصر بين المياه
و بين المياه
أنا ساعة الصفر
جئت أقول
أحاصرهم قاتلا أو قتيل
أعد لهم استطعت.. و ينشق في جثتي قمر المرحلة
و أمتشق المقصله
أحاصرهم قاتلا أو قتيل
و أنسى الخلافه في السفر العربي الطويل
إلى القمح و القدس و المستحيل
يؤخرني خنجران
العدو
و عورة طفل صغير تسمونه
بردى
و سمّيته مبتدا
و أخبرته أنني قاتل أو قتيل
من الأسود ابتدأ الأحمر. ابتدأ الدم
هذا أنا هذه جثتي
أي مرحلة تعبر الآن بيني و بيني
أنا الفرق بينهما
همزة الوصل بينهما
قبلة السيف بينهما
طعنه الورد بينهما
آه ما أصغر الأرض
ما أكبر الجرح
مروا
لتتسع النقطة، النطفة ،الفارق
الشارع ،الساحل، الأرض
ما أكبر الأرض
ما أصغر الجرح
هذا طريق الشام.. و هذا هديل الحمام
و هذا أنا.. هذه جثتي
و التحمنا
فمروا
خذوها إلى الحرب كي أنهي الحرب بيني و بيني
خذوها.. أحرقوها بأعدائها
أنزلوها على جبل غيمة أو كتابا
و مروا
ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
طريق دمشق
دمشق الطريق
و مفترق الرسل الحائرين أمام الرمادي
إني أغادر أحجاركم_ ليس مايو جدارا
أغادر أحجاركم و أسير
وراء دمي في طريق دمشق
أحارب نفسي.. و أعداءها
و يسألني المتعبون، أو المارة الحائرون عن اسمي
فأجهله
اسألوا عشبة في طريق دمشق
و أمشي غريبا
و تسألني الفتيات الصغيرات عن بلدي
فأقول: أفتش فوق طريق دمشق
و أمشي غريبا
و يسألني الحكماء المملون عن زمني
فأشير حجر أخضر في طريق دمشق
و أمشي غريبا
و يسألني الخارجون من الدير عن لغتي
فأعد ضلوعي و أخطيء
إني تهجيت هذي الحروف فكيف أركبها ؟
دال.ميم. شين. قاف
فقالوا: عرفنا_ دمشق
ابتسمت. شكوت دمشق إلى الشام
كيف محوت ألوف الوجوه
و ما زال وجهك واحد
لماذا انحنيت لدفن الضحايا
و ما زال صدرك صاعد
و أمشي وراء دمي و أطيع دليلي
و أمشي وراء دمي نحو مشنقتي
هذه مهنتي يا دمشق
من الموت تبتدئين. و كنت تنامين في قاع صمتي و لا
تسمعين
و أعددت لي لغة من رخام و برق
و أمشي إلى بردى. آه مستغرقا فيه أو خائفا منه
إن المسافة بين الشجاعة و الخوف
حلم
تجسد في مشنقه
آه ،ما أوسع القبلة الضيقة!
وأرخني خنجران
العدو
و نهر يعيش على معمل
هذه جثتي، و أنا
أفقّ ينحني فوقكم
أو حذاء على الباب يسرقه النهر
أقصد
عورة طفل صغير يسمّونه
بردى
و سميته مبتدا
و أخبرته أنني قاتل أو قتيل
تقّلدني العائدات من الندم الأبيض
الذاهبات إلى الأخضر الغامض
الواقفات على لحظة الياسمين
دمشق! انتظرناك كي تخرجي منك
كي نلتقي مرة خارج المعجزات
انتظرناك
و الوقت نام على الوقت
و الحب جاء، فجئنا إلى الحرب
نغسل أجنحة الطير بين أصابعك الذهبيّة
يا امرأة لونها الزبد العربي الحزين
دمشق الندى و الدماء
دمشق الندى
دمشق الزمان
دمشق العرب
تقلّدني العائدات من النّدم الأبيض
الذاهبات إلى الأخضر الغامض
الواقفات على ذبذبات الغضب
و يحملك الجند فوق سواعدهم
يسقطون على قدميك كواكب
كوني دمشق التي يحلمون بها
فيكون العرب
قلت شيئا، و أكمله يوم موتي و عيدي
من الأزرق ابتدأ البحر
و الشام تبدأ مني_ أموت
و يبدأ في طرق الشام أسبوع خلقي
و ما أبعد الشام، ما أبعد الشام عني 1
و سيف المسافة حز خطاياي.. حز وريدي
فقربني خنجران
العدو و موتي
وصرت أرى الشام.. ما أقرب الشام مني
و يشنقني في الوصول وريدي
وقد قلت شيئا.. و أكمله
كاهن الاعترافات ساومني يا دمش
و قال: دمشق بعيده
فكسّرت كرسيه و صنعت من الخشب الجبلي صليبي
أراك على بعد قلبين في جسد واحد
و كنت أطل عليك خلال المسامير
كنت العقيدة
و كنت شهيد العقيده
و كنت تنامين داخل جرحي
و في ساعة الصفر_ تم اللقاء
و بين اللقاء و بين الوداع
أودع موتي.. و أرحل
ما أجمل الشام، لولا الشام،و في الشام
يبتديء الزمن العربي و ينطفيء الزمن الهمجي ّ
أنا ساعة الصفر دقّت
و شقت
خلايا الفراغ على سطح هذا الحصان الكبير الكبير
الحصان المحاصر بين المياه
و بين المياه
أعد لهم ما استطعت
و ينشقّ في جثتي قمر.. ساعة الصفر دقّت
و في جثتي حبّة أنبتت للسنابل
سبع سنابل، في كل سنبلة ألف سنبلة
هذه جثتي.. أفرغوها من القمح ثم خذوها إلى الحرب
كي أنهي الحرب بيني و بيني
خذوها أحرقوها بأعدائها
خذوها ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
و أمشي أمامي
و يولد في الزمن العربي.. نهار
137 Total read