محمود درويش

1941-2008 / الجليل / فلسطين

قصيدة الخبز - Poem by

كان يوما غامضا
تخرج الشمس إلى عاداتها كسلى
رماد معدنيّ يملأ الشرق
و كان الماء في أوردة الغيم
و في كل أنابيب البيوت
يابسا
كان خريفا يائسا في عمر بيروت
و كان الموت يمتدّ من القصر
إلى الراديو إلى بائعة الجنس إلى سوق الخضار
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة ؟
كان إبراهيم رسّام المياه
و سياجا للحروب
و كسولا عندما يوقظه الفجر
و لكنّ لإبراهيم أطفالا من الليّلك و الشمس
يريدون رغيفا و حليب
كان إبراهيم رسّاما و أب
كان حيّا من دجاج و جنوب و غضب
و بسيطا كصليب
المساحات صغيره
مقعد في غرفة. لا شيء... لا شيء
و كان الرسم بالماء وطن
و التفاصيل لكم. وجهي أنا برقيّة
هل تقرأون الماء كي تتّفق الآن ؟
البياض الأسود احتل المسافات
أنا الورد الذي لا يومىء
القيد الذي يأتي من الحرية - الفوضى
أو الهجز الذي يأخذ شكل الوطن - البوليس
هل كان الوطن
انطباعا أم صراعا ؟
وضياعا أم خلاص
كان يوما غامضا
وجهي أنا برقيّة الحنطة في حقل الرصاص
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة ؟
كنت تعرف
هي بيروت الفوارق
هي بيروت الحرائق
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة ؟
إنّهم يغتصبون الخبز و الإنسان
منذ الخامسة
لم يكن للحبر في يوم من الأيّام
هذا الطعم ، هذا الدم
هذا الملمس الهامس
هذا الهاجس الكونيّ
هذا الجوهر الكلي
هذا الصوت هذا الوقت
هذا اللون هذا الفنّ
هذا الاندفاع البشريّ. السرّ. هذا السّحر
هذا الانتقال الفذ
من كهف البدايات إلى حرب العصابات
إلى المأساة في بيروت من كان يموت
في تمام الخامسة ؟
كان إبراهيم يستولي على اللون النهائيّ
و يستولي على سر العناصر
كان رسّاما وثائر
كان يرسم
وطنا مزدحما بالناس و الصفصاف و الحرب
وموج البحر و العمال و الباعة و الريف
و يرسم
جسدا مزدحما بالوطن المطحون
في معجزة الخبز
و يرسم
مهرجان الأرض و الإنسان
خبزا ساخنا عند الصباح
كانت الأرض رغيفا
كانت الشمس غزالة
كان إبراهيم شعبا في الرغيف
و هو الآن نهائيّ... نهائي
تمام السادسة
دمه في خبزه
خبزه في دمه
الآن
تمام السادسة ‍
123 Total read