محمود درويش

1941-2008 / الجليل / فلسطين

عائد إلى يافا - Poem by

هو الآن يرحل عنا
ويسكن يافا
و يعرفها حجرا حجرا
و لا شيء يشبهه
و الأغاني
تقّلده
تقلد موعده الأخضرا
هو الآن يعلن صورته
و الصنوبر ينمو على مشنقة
هو الآن يعلن قصّته
و الحرائق تنمو على زنبقة
هو الآن يرحل عنا
ليسكن يافا
و نحن بعيدون عنه
و يافا حقائب منسية في مطار
و نحن بعيدون عنه
لنا صور في جيوب النساء
و في صفحات الجرائد
نعلن قصّتنا كل يوم
لنكسب خصلة ريح وقبلة نار
و نحن بعيدون عنه
نهيب به أن يسير إلى حتفه
نحن نكتب عنه بلاغا فصيحا
و شعرا حديثا
و نمضي.. لنطرح أحزاننا في مقاهي الرصيف
و نحتجّ: ليس لنا في المدينة دار
و نحن بعيدون عنه
نعانق قاتله في الجنازة
نسرق من جرحة القطن حتى نلمع
أوسمة الصبر و الانتظار
هو الآن يخرج منا
كما تخرج الأرض من ليلة ماطره
و ينهمر الدم منه
و ينهمر الحبر منّا
و ماذا نقول له؟- تسقط الذاكرة
على خنجر؟
و المساء بعيد عن الناصرة
هو الآن يمضي إليه
قنابل أو.. برتقاله
و لا يعرف الحدّ بين الجريمة حين تصير حقوقا
و بين العدالة
و ليس يصدّق شيئا
و ليس يكذب شيئا
هو الآن يمضي.. و يتركنا
كي نعارض حينا
و نقبل حينا
هو الآن يمضي شهيدا
و يتركنا لاجئينا
و نام
و لم يلتجيء للخيام
و لم يلتجيء للموانيء
و لم يتكلّم
و لم يتعّلم
و ما كان لاجيء
هي الأرض لاجئة في جراحة
و عاد بها
لا تقولوا: أبانا الذي في السموات
قولوا: أخانا الذي أخذ الأرض منا
و عاد
هو الآن يعدم
و الآن يسكن يافا
و يعرفها حجرا.. حجرا
و لا شيء يشبهه
و الأغاني
تقلّده
تقلد موعده الأخضرا
لترتفع الآن أذرعة اللاجئين
رياحا.. رياحا
لتنشر الآن أسماؤهم
جراحا.. جراحا
لتنفجر الآن أجسادهم
صباحا.. صباحا
لتكتشف الأرض عنوانها
و نكتشف الأرض فينا
122 Total read