هربت إلى ضفة الجرح جذرا
من الملح والظمأ الأصفر
وكنت طوال الطريق الطويل
أحاورني في غبار الكلام
فأخرج من شفة الروح طينا
وأقترف الجولة الخاسرة
فلا الرأس يدري
ولا القلب بدري
لأي الحدود تشيل الزوابع
عيَّ الكلام وحزن الصور
وأي المرارات تعصر قلبي
وأي السماوات فيها خلاصي
تمنيت أن أستريح قليلا
على ربوة ترتديها الفصولُ
الفصول التي تشتهي الورد
واللوز والأغنيات
مللت هجوم الفصول الثلاثين
تأتي تباعا
مشوهة
ترتدي كلها
سراب السهول
سراب الغمام
وصلت إلى خيمتي
حالة من رماد
وتحت جفوني شظايا زجاج
وقش تعرق تحت قميصي
القديم .. القديم
لماذا النعاسُ
يراودني الآن عن حلمه الياسمين ؟
وعن وتر يشتهيه المساء ؟!
سأبرأ من وهم نزفي
وأبدأ من نقطة عارية
وأبدأ من خارج الوقت وقتي
وأشتم صمتي
أبوح بذاكرتي العاصية
وأعلن للملأ النائمين
على مخدع النسل
أن القيامة قامت
وأن الصباح اختنق
أعري مخيلتي للكتابة
فآخذها من صلاة الخسوف
وأنزفها رعفة رعفة
في وجوه النفاق
ولا أستريح من الانفعال
أقدم قربان نزفي لصوت
يشاركني فرحة المشي فجرا
تجاه الحقول
عتبت على النهر
كيف تموت الجداول جوعا
وكيف تجف ضروع النخيل
وتذهل عن طفلها المرضعة
تعر إذًا أيها الجمر
وانفث رمادك عن ظهرك
المنحني للظلام
تمرد على لحظة الموت
وانثر طقوسك خارج
هذي الطقوس
ولملم بقاياك
عودا فعودا
وقدحا فقدحا
تجاوز حدود الوفاق جميعا
فما الحد إلا ابتداء الرجوع
انعتاق من الهاجس المشتعل
وما الحد إلا الكوابيس
والحالة الواهمة
ترجل إلى قمة لا تنام
على كوكب الغش
لا تلتقي بالزحام الرديء
ولا بالفصول الخطأ
أفقت من الصحو غير مدان
بشيء من الخوف إلا كتابا
شظاياه تلسعني من بعيد
أفقت وقد حرفتني الخطيئةْ
كما حرفت قبل
نصف الرجال
ونصف النساء
ونصف الوطن
سأبكي وأضحك
مثل المناخات في موطني
ومثل النواقيس
حين تدق اشتعالا
تدق دموعا
غناءً
تدق اشتهاء
لماض سيأتي على أي حال
أنام قليلا .. قليلا
وأصحو على ملح حلقي
على جرح قلبي
على أرق يبتدي من جديد
لأكمل رحلة صحوي الرهيب
وقبل رحيلي
أسائل تلك الوجوه أخيرا
متى يسترد هواه القمر ؟
وكيف تصير الهوادج
عند المساء نعوشا ؟
وتغدو المآذن كالأضرحة ؟
وأين الجماجم
بعد ارتعاش القناديل فجرا ؟
وهل سيفيق الهزيع الأخير
على قمة يعتريها السعال
تعرت ؛
لكي تحتمي بالصقيع ؟
وماذا انطفاء البروق ؟
اختناق الرعود .. ؟
لماذا .. لماذا احتباس المطر ؟