محمود البريكان

1931-2002 / العراق / البصرة

أسطورة السائر في نومه - Poem by محمود ا

أروي لكم عن كائن يعرفه الظلام
يسير في المنام أحياناً، ولا يفيق
أصغوا إلي أصدقائي ! وهو قد يكون
أي امرئ يسير في الطريق
في وسط الزحام
وقد يكون بيننا الآن، وقد يكون
في الغرفة الأخرى، يمط حلمه العتيق
اعتاد أن ينهض حين تقرع الساعة
دقاتها السبع، ويعلو صخب الباعة
يفتح مذياعه
يصلح شاربيه أو يدهن عارضيه
ويرسم ابتسامة غبراء خداعه
على زوايا شفتيه، ثم في عجل
يمضي الى العمل
يمر بالناس الكثيرين وبالأشجار
فلا يرى شيئاً، وقد يبتاع في الطريق
جريدة يقرأ منها آخر الأخبار
وهو غريق بعد في سباته العميق
اعتاد أن يقوم من منامه الطويلْ
بعض الليالي، ثم ينسل الى مكان
يشرب في عتمته ماشاء من خمرة
ثم يعود وهو لايذكركم مرة
أضاءت الكأس لعينيه، وفي الصباح
لايذكر السكرة
ان له وجها كوجه الناس أجمعين
لكن إذا رأيته يلهث في العتمة
تجده كالذئب الذي أيقظت الظلمة
أسراره، فهو مخيف خشن حزينْ
يجلس في أبهي المقاهي، ينفث الدخان
ويلعب الشطرنج، أو يندس في الزحام
يغشى بلا اهتمام
معارض الرسوم أو متاحف الآثار
أو مسرحاً يعلن عما فيه بالأنوارْ
وربما رأي صديقاً فروى نكات
وقهقها، وربما زارا معاً فتاة
تستقبل الزوارْ
وهو كظل باهت يسير أو ينهارْ
في ذلك السبات
ماضيه لايعرف إلا أنه بعيدْ
بداية غامضة من حلم مديدْ
ليس له مدى
حاضره ليس له صوت ولا صدى
منشوده ! يفلت من كفيّه مايريدْ
فهو هنا شبحْ
وكائن وحيدْ
لا يعرف الفرحْ
وهو نداء ميت أبحْ
في مجهل بعيدْ
ياأصدقائي هل عرفتم ذلك المخلوق
الشاحب الذي يجفّ صوته المخنوق
الكائن المخدر الهائم في المنام
الكائن الذي تبث كفّه الصفراءْ
من حوله أشياءْ
ترعبه
أشياءْ
لايمكن القبض عليها مرة أخرى
يعرفه الظلامْ
تعرفه برودة الليل ! وقد يكونْ
أي امري ترونه يسير في الطريق
106 Total read