مارون عبود

1886 - 1962 / لبنان

العاصفة - Poem

هـبَّتِ الريحُ والفضـاء اكفَهـــــــــــــرّا
وتـوارى الهلال يـــــــــــــــنظر شَزْرا
طُمِس النـورُ غـيرَ بعض سطـــــــــــــــورٍ
خطَّهـا الفجـر فـامَّحتْ لـيس تُقــــــــــرا
فـانـتضى الـبرق سـيفَ نـورٍ ضئـــــــــيلٍ
شقَّ مِسْحَ الــــــــــــــــــدجنِّ شقّاً وفَرّا
وانـبرى الرعـد مـنذرًا بـالـبـلايــــــا
واستشــــــــــــــــاط الخضمُّ مدّاً وجزرا
وتـنـادتْ عـنـاصر الكــــــــــــون للثَّورةِ
فـانقضَّتِ الصـواعق جـمــــــــــــــرا
وتبـارت فـي حـلـبة الأفق الريـــحُ
فأمسـى الرقـيعُ يــــــــــــزأرُ زأْرا
عـلّمـونـا أن الطبــــــــــــــــيعة أمٌّ
ويحَ أمٍّ مـن الشـواعـــــــــــــــرِ تَبْرا
يـا لأمٍّ خرسـاءَ إن حدَّثَتْنـــــــــــــــا
فحديثٌ يفـيضُ خـوفًا وذعــــــــــــــــرا
هـمسُهـا الرعـدُ، والصـواعقُ نجـــــــــوى
والـبراكـيـنُ زفرةُ الـوجـد حــــــــــرّى
وَيْكِ أمّاً مُنحتِ ألفَ لســــــــــــــــــانٍ
وتكتَّمْتِ لستِ تُفشـيـن ســـــــــــــــــرّا
أيـهـا الأمُّ، كـيف تُخـفـيـن عـنــــــــا
فـي ثنـايـاكِ جـاعـلَ الـبحـــــــــرِ بَرّا
كـيف تُخـفـيـن والـدًا عـن بنـيـــــــــه
وظهـورُ الآبـاء بـالعطف أحــــــــــــرى
قـلـت هلاّ فقطَّبتْ حـاجـبَيْهــــــــــــــا
فأرتـنـي فـي وجهِهـا الجهْمِ شــــــــــرّا
وأشـارتْ إلى العـواصـف أنْ سِيــــري
وهُدِّي مـن أرضِه مــــــــــــا اشمخَرّا
فـاستجـرنـا مـنهـا بـهـا وهــــــي غضبَى
واعتصـمـنـا بصخرةٍ نــــــــــــــــتذرَّى
فرأيـنـا الأمـواجَ تقتحـــــــــــم الشطـطَ
جـيـوشًا عـمـيــــــــــــاءَ كرّاً وفرّا
كـم بـيـوتٍ تهدمتْ وقصـــــــــــــــــورٍ
صـيَّرتْهـا العـواصـــــــــــف الهُوج قبرا
فـمـن الـدوح أسجـدَتْ كلَّ عـــــــــــــاتٍ
لـم يُعفِّرْ وَجْهًا ولـــــــــــــم يحنِ صدْرا
وإذا بـالأشجـار تـمشـي الهُوَيـــــــــنى
ثـم تكبـو، ســـــــــــــيّان صُغرى وكبرى
هدأتْ ثـورة الطبـيعةِ والريـــحُ
تهـادتْ فـي الجـوّ تـمشــــــي السبَطْرى
فرأيـنـا أن الـــــــــــــــــذي هدَمَتْه
كـان بـالهدمِ والـتجـدُّدِ أحــــــــــــرَى
إنمـا هـذه العـواصــــــــــــــــف أيْدٍ
مـا تهدِّمْ يُمـنى تُشـيِّدْه يُســـــــــــــرى
رسلُ النشْءِ والـتجـدّدِ بـل زَنْــدٌ
متى شـاءتِ الطبـيعة يـــــــــــــورى
لـيـتَ مـن هـذه «العـواصـف» أصنــــــــافًا
تُثـير الأكـوانَ طـــــــــــيبًا ونَشْرا
لنرى كلَّ هـائمٍ وعقـيـــــــــــــــــــمٍ
لـيس يُجــــــــــــــدي نفعًا تداعى وخرّا
مِن تقـالـيـدنـا ومـــــــــــــن كلِّ عُرفٍ
صـيَّرتْه الآراء ديـــــــــــــــنًا وكفرا
إنمـا هـذه العـواصــــــــــــــــفُ فأسٌ
تقصـمُ الشـامخـاتِ ظَهْرًا فـظهـــــــــــرا
مـن قـديـمٍ والـمـرءُ نِضْوُ افتكـــــــــارٍ
أشغلـته «الأشـيـاءُ» دهـرًا فدهــــــــرا
مـا رآه بـالأمسِ عِلـمًا يراه الْــيـومَ
جهلاً، وهكذا العـمـرُ مــــــــــرّا
إن آراءَه لأشبـهُ بـالـــــــــــــــــمَوْجِ
تـوالَى، تـمحـو الجـديـــــــــدةُ أخرى
أوغل الفكرُ فـي الــــــــــــــتأمُّل حتى
لاح وجه النهـار يفتــــــــــــــرُّ بِشْرا
فبـدا لـي أن الطبــــــــــــــيعة فَرْحَى
بـالـذي قـلَّبتْه حتى استقــــــــــــــرّا
إيـهِ يـــــــــــــــا أمُّ إنْ أردتِ صلاحًا
فـاكـنسـي بـالعـواصـفِ الكــــــــونَ طُرّا
220 Total read