بَحَّار..
بَحَّارٌ هَرِمٌ،
مُنْذُ عُصورٍ يَرْحَلُ،
وهو يُفَتِّشُ عَنْ لُؤْلُؤَةٍ،
تَتَخَلَّقُ في أَرضٍ واعِدَةٍ مَوْعُودَه..
قالَ:
خُذوا الحِكْمَةَ عَنِّي،
إِنَّ الإبْحارَ،
هو اللؤْلُؤَةُ المَفْقُودَه..
ورائي.. ورائي
رِيشٌ يَتَسَاقَطُ،
فوقَ الأَحْرَاشِ،
دمٌ يَقْطُرُ مِنْ غُصْنٍ،
طَبْلٌ مَثْقُوبٌ يَتَدَحْرَجُ
قالَ كَنَارٌ مَذعُورٌ،
وهو يُودِّعُ غابَتَهُ:
-مَنْ قَطَعَ الكَفَّ المشدودَةَ للطبلِ،
وَمَنْ ذَبَحَ البُلبُلَ،
في الوَكْرِ الآمِنِ،
والقِرْدَ المَرِحَ،
المُتَدَلّيَ مِنْ فَوقِ شُجَيرَةِ بَابَايْ؟..
حنجرةٌ في صُندوقٍ،
رَأْسٌ يَصرخُ في بئرٍ مهجور
-مَنْ دَقَّ المِسْمَارَ بحنجرتي
مَن حَفَرَ البئرَ لرأسي؟
قالَ القاَدِمُ للغابةِ،
وهو يَرَى،
ما ليسَ يراهُ سِوَاه...
-أَيْنَ تَحطُّ،
فَثَمَّةَ صَيَّادٌ يَتَرَبَّصُ،
عُدْ لِجمُوعِ الطير،
وحَاوِلْ أَنْ تُوقِعَ بالصيَّاد،
يقولُ كَنَارِ،
عادَ، ليَبْنِي عُشَّاً آخر..
ويقولُ القادِمُ للغابةِ:
-لَسْتُ بِآخر مَنْ يَحْتجُّ،
وللأَدْغَالِ طَريقٌ آخر،
يَقْتَنِصُ الصَيَّادِينَ،
ويومٌ، فيهِ يُضيءُ الدَّم
لكنْ...
ما هذا النَّاطُورُ الوَقِحُ،
الراكِضُ خَلْفِي،
مِنْ عَصْرِ الصحراء،
إلى عَصْرِ الغابةِ،
والبحر؟؟..
صورة..
بيتٌ عِنْدَ البحرِ،
تُظَلِّلُهُ سَبْعُ شُجَيْرَاتْ..
فيهِ سَبْعُ عَذارى،
يَحْمِلْنَ أَبارِيقَ الخَمْرَةِ والعِطْرِ،
وَيَرْقَبْنَ خَطىً تخفقُ،
حيثُ العُشْبُ،
يُعَرِّشُ فَوْقَ العَتَبَاتْ..
لَوْ أَنَّ فَتىً مثلَكَ،
مِنْ خَلْفِ البحرِ أَتَى
وَرَأَى سَبْعَةَ أَكْوَابٍ تَسْقِيهِ،
وَسَبْعةَ أبوابٍ تُؤْويهِ،
أَيَدْخُلُ،
أَمْ يَقْعُدُ في الظِلِّ،
وَيَتْلُو الصَّلَوَاتْ؟!
خطوة أخرى..
بينَ اليَقْظَةِ والنوم،
تَرَاءى لِي،
أَني أتبَعُ نجماً مجهولاً،
وَأَتاني صوتٌ،
قالَ:
'اطَلَعْ مِنْ هَذا الوادِي
أَوَ لَمْ تَكُنِ الأَرضُ بواسِعَةٍ،
فتهاجر فيها؟'...
وَبِطَرْفَةِ عَيْنٍ،
أَبْصَرْتُ الأَشياءَ أَمَامي،
تُمْسَخُ رَمْلاً
وأَنا في الرَّملِ أَغُورُ،
وجَمْعُ عَجَائزَ من حولي،
يتغامَزْنَ، وَيَضْحَكْنَ،
وأَبْصَرْتُ حِبَالاً، في الريحِ تطيحُ،
وَتَلْتَفُّ على قَدَمَيَّ،
سأطلعُ -قُلْتُ-
تَعَلَّقْتُ بأغصانٍ،
كانت تُورِقُ بينَ يَدَيَّ،
فلاَحَتْ لِي خَلْفَ الوادي،
أرضٌ تتلألأُ:
حَقْلٌ يَمْتَدُّ، وَخَلْقٌ يَنْتَشِرُونْ..
وبِلادٌ يَسْكُنُها أَطْفَالٌ،
مثل طيورٍ بيضٍ
تحملُ أغْصَانَ الزيتونْ..
قُلْتُ لنفسِي:
سَأَرى،
اِنْ كُنتُ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أطلعُ،
أَيْنَ أكونْ..
مَلِكُ الغَاب
هُوَ ذا الغابُ الموعودُ،
فَخُذْ ذاكَ الطبلَ،
اقْرَعْهُ،
وَأَطْلِقْ صَرْخَتَكَ الوَحْشِيَّةَ،
قُلْ: إِني الملِكُ الضِلِّيلُ العائِدُ،
خُذْ تلكَ الحَسْنَاءَ السوداءَ القرويّةَ،
فاجِئْهَا،
وارقُصْ حتى الهَذَيانْ
هَلْ يَتَراءَى لكَ أنكَ تركُضُ،
والأرضُ أمامَكَ تَنْأَى
أترى الطبلَ يَفرُّ،
الحسناءَ القرويةّ تَمْرُقُ،
مِنْ بينِ يَدَيْكَ؟!
إذَنْ،
خُذْ هذا الشُرْطيَّ المُتَرَبِّعَ في رَأْسِكَ،
واذبَحْهُ الآنْ...
تعال...
أَجْنِحَةٌ،
تخفقُ في أفقٍ نَاءٍ،
تِلْكَ بلادٌ أُخْرَى،
لَمْ تَبْدَأْ بَعْدُ،
تعالَ نُعَانِقْها...
نَقْرُ درابِكَ يَنْدَاحُ هناك،
ويَخْفُتُ
تِلْكَ قُرىً ضائِعَةٌ في الغاباتِ،
تَعَالَ نُفَاجِئْهَا....
أوراقٌ تَرْكُدُ في القاعِ،
الليلةِ تَطْفُو
تِلْكَ بَقَيَّةُ ذِكرَى
فتعالَ نُحاوِرْها...
بِدَاية
قُلْتُ:
وأَيْنَ يحلُّ غريبٌ،
فالغُرَباءُ أَحِبَّتُهُ،
وحَلَلْتُ بأرضٍ،
صاحبتُ بِها
صَبَّاغَ الأحْذِيةِ،
الرسَّامَ المُتَجوِّلَ،
بائِعَةَ الصَّدَفِ البَحْرِيْ...
ومَضَى يومٌ
بائعِةُ الصَّدفِ البحريّ،
رَمَتْها ضَرْبَةُ شَمْسٍ،
والرسَّامُ المتجوِّلُ جُنَّ،
وصَبّاغُ الأحذَيةِ الطيِّبُ،
عِنْدَ السَّاحِلِ، مَات
فاكتُبْ ياهذا ثانيةً،
في سِفْرِ الريح:
لماذا الخنجرُ يكبرُ،
والوردةُ تُسْحَقُ تَحْتَ العَجَلاتْ؟؟...
ليلٌ آخر...
الليلُ ينثُّ رَذَاذَ نُعاسٍ،
مَقْدِيشُو خَلَعَتْ ثَوْبَ البحرِ،
وَغَلَّقَتِ الحاراتِ ، ونامَتْ
وهناكَ بَعِيداً
- حيثُ السَّاحِلُ وَشْوَشَةٌ غامِضَةٌ...
وطيورٌ هائِمَةٌ،
في العُتْمَةِ والرّيح-
هناك بعيداً،
تَغْفُو فاطِمَةُ البائِعَةُ الطِفْلَةُ،
بينَ سِلاَلَ الخَرَزِ الشِّيح،
وعَبْدُ اللهِ المُتَسَوِّلُ،
يَلْحَسُ قِشْرَ المانجو،
وَيُداعِبُ قِرْدَهُ،
أو يرقبُ بَاخِرَةً تَرْحَلُ ، باخِرةً تُقْبِلُ،
عبدُ اللهِ يُحدِّثُها،
عن جَمْرٍ يُولَدُ في عَيْنَيهِ،
وعن شَجَرٍ يَتَفَتَّحُ أطفالاً،
وَسِلالاً، وعَنَاقيدْ...
وَتُحَدّثُهُ،
عن نبعٍ يكبرُ بينَ يَدَيْهَا،
عَنْ جُزُرٍ تَتَلألأُ خَلْفَ الموَج،
تُحَدِّثُهُ،
ويُحَدِّثُها،
وا لبحرُ يفيضُ،
بأَصْدافِ الفَرَحِ الموعُودْ...
الليلُ ينثُ رذاذَ نُعاسٍ،
الحاناتِ البَحْرِيَّةُ،
تَغْرَقُ بالموسيقى والفَتَياتِ،
وَقَهْقَهةِ البّحَّارَةِ،
والسيَّاحِ الوقحين،
ويبقى للبحرِ صديقانْ:
فاطِمَةُ البائِعَةُ الطِفْلَةُ،
والطفلُ المُتَسوِّلُ عَبْدُ الله...
آياتُ الجوع...
اقْرَأْ
والأرضُ رَغيفُ،
يخطفُهُ لِصٌّ في ثوبِ صديقٍ،
والجرحُ فَضَاءْ...
اقْرَأْ
باسمِ الجوعِ المفترسِ الطافِح
بينَ بيوتٍ مِنْ لَحْمٍ وصفائح
حيثُ الموتُ المُفْزِعُ،
خُفَّاشٌ مُلتَصِقٌ بِشَظايا الرّوحِ،
وحيث الناسُ ،
عيونٌ زائِغَةٌ،
وبطونٌ تَسْعَى...
والحُزْنِ، وما أعْطَى
والموتِ، وما أبقى،
والأيامِ المُثْقَلَةِ الحُبْلَى
لن تَجْنِي كَفٌّ ماتغرسُ،
حتى تَصْفَعَ أَقْفيَةَ الغُرَباءْ...
خذوا الحكمة من الغابه...
في أَرَضٍ تُدعى:
'جوهر'،
حَدَّثَنِي شيخٌ أَفْرِيقيٌّ،
كُنتُ قَرَأْتُ بِعَيْنَيهِ،
بَرِيقَ الأَزْمَانِ الحَيَّةِ،
قال:
انظُرْ كيفَ تحلُّ اللعنَهْ...
في يومٍ ما،
- يوم يُشبِهُ هذي الأيّام-
صَحا الناسُ على شَيْءٍ
يَسْرِي مثلَ وَبَاءٍ في الغابَةِ،
فالثعلَبُ يخطرُ في فَرْوَةِ ذِئْبٍ،
والنّمْرُ برأْسِ حِمَار،
والنسرُ بِحُنْجرةِ العصفورِ،
الأَسَدُ،
الثعبانُ،
القِرْد ُ،
جميعُ الحيواناتِ... بِأشْكَالٍ أُخْرَى
وأَتَى يومٌ،
'أيضاً يُشبِهُ هذي الأيَّام'..
فيهِ صَحا الناسُ،
على لَهَبِ يتصاعَدُ في تِلْكَ الغابةِ،
قالَ الشيخُ الأَفْريقيُّ:
ومِنْ ذاكَ اليوم،
إلى الآن
أقولُ لهذا الإنسان،
الموغل في الغاباتِ البَشَريَّة:
لا تَأْخُذْ
إلاَّ دَوْرَكْ...
سُؤال...
وأَنا مُنْهَمِكٌ،
أركضُ بينَ جُموعِ النَّاسْ..
فاجَأني دَرويشٌ مجذوبٌ،
يصرخ:
أينَ الأُفقُ الأوسَعْ،
والصوتُ المعشوقُ،
وأَيْنَ حَريقُ اللونِ الأَسْوَد؟!...
في اليوم الثاني،
كان الصَّمْتُ،
ثقيلاً يهبطُ فوقَ وجوهِ الناسِ،
وفي الحارَةِ ، والسُّوق
وكنتُ أَصيحْ:
أَيْنَ الدرويشُ المجذوبْ؟!
حكاية...
غَرْبِيٌّ سَائِحْ...
مَرَّ بمَقْدِيشُو هذا العام
فَأُعْجِبَ بالمَوز، وبالخُضْرَةِ، والبحرِ،
وَأُعْجِبَ أَكْثَرَ
بالشعْبِ الطَيِّبِ،
قال الراوي:
ذاتَ صباحٍ
تَحْتَ النُّصْبِ الثوريِّ،
تَوَقَّفَ ذاكَ الغربيُّ السَّائِحُ،
مذهولاً،
فَرَآهُ الناسُ يُحدِّقُ،
في قَبْضَةِ تمثال 'دَكحْطُور'
ويكتبُ:
'هذا تذكار هزيمَةِ
أَسْلاَفي الوقحينْ'
لكِنَّ دَكَحْطُور الآخر،
- قال الراوي-
كان يُطوِّحُ مافي قَبْضَتِهِ،
ويَسِيرُ،
أَمامَ الناس،
وكانَ الغَرْبيُّ السَّائِحُ،
يَلْتَقِطُ الصورةَ،
تلوَ الصوره...
حلم...
أَفْعَى تنفخُ حَولَ الشَجَرَه...
وَمِنَ الكوخِ الصُّوماليِّ المُتْعَبِ،
يَأْتِي طفلٌ،
يَصْرُخُ في وَجهِ الأفْعَى:
هذا حَقْلِي،
وَمِنَ العَرَقِ الأَسْوَد،
يطلعُ عنقودُ المَوزْ...
يَلْمَحُني الطِفلُ،
'أنا أيضاً جِئْتُ،
لأَصرخَ في وَجْهِ الأَفْعَى'..
يَتْبَعُني،
أتْبَعُهُ،
و َمَعاً، نَفْتَحُ درباً،
في الحقلِ الواسِعْ...
سَتَعُود...
وَغَفَا الرَّجُلُ القادِمُ،
وهو يُحَدِّثُ نَفْسَهْ:
ستعودُ غداً مِنْ أفرِيقيا
بِعَصَافيرَ مَلوَّنةٍ، وبِأعْوادِ بخورٍ،
وزجاجاتِ عُطورٍ
ستعودُ بأَفْيَالٍ مِنْ أَبَنُوسَ،
وأطواقٍ من شيحٍ،
وخواتمَ من عاج
وَتَعُودُ،
بِعَيْنَينِ تُضِيئَانِ،
وَكَفَّيْنِ تُضِيفَانِ،
وَقَلْبٍ مُغْتَسِلٍ بِرَحيقِ الطِّيبِ،
وَحُبِّ البُسَطاءْ...
سَتعودُ إذنْ.. ها؟!
نَهَضَ القادِمُ:
- لكنّي مازِلْتُ أُحَاوِلُ أَنْ أدخلَ أفْريقيا،
أن أمنْحَهَا شَيئاً يبقى
فَلأَدْخُلْها..
وأُسَمِّي الأشياءْ...
الخروجُ من بطن الحوت..
وَيَشَاءُ حَنِيني للسَّفَرِ الدائمَ،
أَنْ أَدْخُلَ أرضَ جَزيرَةِ 'قافْ'...
وجَزيرَةُ قاف،
- كما حَدَّثَنِي جَدِّي-
نَائِيَةٌ، تَقْبَعُ خَلْفَ حُدودِ المَعْمُوره..
طوَّفْتُ بها سَبْعَةَ أيّامٍ بلياليها،
أسْمَعُ فيها، وأرى
في اليوم السابع،
قُلْتُ:
لماذا لا أدخلُ مَمْلَكَةَ البَحرْ؟!..
ودَخَلْتُ،
رَأَيْتُ الموجَ يُدَحْرِجُ شَمْساً حمراء،
وأصدافاً هائِلَةً
تَتَفتَّحُ في زَبَدٍ سِحرِيٍّ منفوخ،
وسَمِعْتُ خيولَ العاصفةِ الشرقيَّةِ،
فوقَ صُخُورٍ دَكْناءَ،
تُحَمْحِمُ،
والماءُ يُغطِّي حُوريَّاتِ البَحْرْ..
وَهَجَسْتُ وجُوهاً،
تشحبُ في الأفقِ النائي،
وخُطىً تَتَخَبَّطُ،
ثم تَضِيعْ...
- ماذا أُبصِرُ:
'قلتُ لنفسي'.
- فَتَجَمَّعَ حَوْلِي خَلْقٌ في الأرضَ كثيرٌ:
'أصواتٌ تَلْتَفُّ على قَدَمَيَّ،
عيونُ تَلْقَفُ عَيْنَيَّ،
أَكَفٌ تَلْحَقُني'
واقْتَادوني مِنْ شَفَتَيَّ،
إلى البحرِ،
وَقالَوا:
عُدْ يا يُونُسُ -مِنْ حيثُ أتَيتَ-
إلى بطنِ الحُوت،
أجِئْتَ لِتَعْجَبَ،
أم تدخل طَقْسَ الأمواج؟!
فاذْكُرْ يايونسُ،
قَرْيَةَ أبنائِكَ،
والرحلةَ في بَطْنِ الحُوت،
رَمَوْكَ بأَصدافٍ قاسِيَةٍ،
وَتَشَقَّقَ جِلْدُكَ،
فاتَّعِظِ اليوم،
وغادِرْ دَوْرَ الشَحَّاذِ السّاذَج،
قُلْ: إني أُدخلُ ، ولأَغْرَقْ
هذا ما اخترتُ،
وهذا عَصْرُ خُروجي...
واذْكُرْ يايونس،
كيفَ تركتَ الأَمْسَ ينوحُ وراءَك،
ثم تَوَزَّعْتَ،
وللرَّغَبَاتِ خَفَضْتَ جَنَاحَ الذكْرَى
فَادْخُلْ..
حتى يَخْضَرَّ جَبينُكَ،
في البحرِ،
وكُنْ حيثُ الأُفْقُ يكونْ...
وَتَطَلَّعَ بِي شَيْخٌ،
في هَيْأَةِ طفلٍ،
قالَ: لماذا تعجب؟!
حَدِّقْ.. ولَسَوْفَ تَرى..
وَ تَلفَّتُ،
وكان الشاطِئُ مُحْمَراً يغلي،
فَرَأَيتُ رجالاً،
يُخْرِجُ كلُّ مِنْهُمْ سكيناً، ويُهَرْوِلُ
هَرْوَلْتُ،
فناوَلني رَجُلٌ منهم سكيناً،
ثم اشتبَكَتْ حَلقاتُ الرَّقص،
وهَمْهَمَتِ الأصواتُ المُبْهَمَةُ:
' استَقْفُورو... اسْتَقْفُورو'...
وبِلَحظاتٍ،
كانت كلُّ الأَيدي تَنْقَضُّ
على شِدْقَيْ حوتٍ وَحْشِيٍّ،
يَزْفَرُ في الزَّبَدِ المُحْمَرِّ،
' استَقْفُورو... اسْتَقْفُورو'...
قُلتُ:
الساعَةَ يَغْتَسِلُ الموجُ الهائجُ بالدّم،
قالوا:
وكذلكَ تخرجُ مِنْ بَطْنِ الحوتْ...
سَكَنَ الموجُ،
فَعَادَتْ حورياتُ البحر تُلَوِّحُ،
واخْضَرَّتْ جُزُرٌ فوقَ الماء
وحَطَّتْ عند الشاطِئِ،
شمسٌ بيضاء
فاسْكُنْ يايونسُ قَلْبَ المَوْجَةِ ،
يخرجُ حُوتُ الغَفْلَةِ،
مِنْ أعْمَاقِكَ،
تخرُجْ مِنْ أَرْوِقَةِ القانونْ...
وإذا ما عُدْتِ إلى 'الموصل'،
قَرْيَتكِ الأُولى
فاقْصُصْ رُؤياكَظ على الصَّحْبِ،
وذَكرِّهُمْ بِعَذابِ الصَّبْرِ،
وَقُلْ:
إن الذكرى خَيْرٌ مِمَّا تَصِفُونْ...