معد الجبوري

1946 / الموصل

أحكي عن الساحرة الأولى - Poem by معد الجب

تَبْدَأُ مُوسِيقى العِطْر الأَسْوَدِ،‏
اِذْ تَبْدَأُ فَاطِمَةُ الفَارِعَةُ السوداءْ‏
لَحظاتٍ،‏
وَتَجِيءُ امَرأَةُ الغابَةِ،‏
عارِيَةً كالرّمحِ،‏
تَرشُّ على وجهِي طَلْعَ الزَّهْرِ،‏
تُطَوِّقُني، ‏
بِقَلاَئِدَ مِنْ حَبَّاتِ الفُلْفُلِ،‏
والشِّيحِ،‏
وَتَسْتَلقي فَوْقَ ذِراعِي‏
يا امَرأةَ الغَابةِ،‏
هل يطلعُ جِنّيُّ الخَدَرِ الباردِ،‏
من جَسَدِي المسكون؟‏
فَمِي حَطَبٌ،‏
وَدَمِي رَمْلٌ يَتَنَاثَرُ،‏
بينَ الصحْوَةِ والإغْمَاءْ..‏
تركضُ في الغاباتِ،‏
أَمِ الغاباتُ إِليكَ أَتَتْ تِسْعَى؟‏
لَمْ يَرْتَدَّ إليكَ الطَّرْفُ،‏
وها هِيَ ذِي‏
تَتَخَلَّقُ في عينيكَ،‏
قَطوفاً دانيةً،‏
تَتَنَفَّسُ بين يَدَيْكَ،‏
بَرَاعِمَ حنَّاءٍ وقُرنْفُلَ‏
أَيَّتُها الآفاقُ الغامِضَةُ،‏
الآنَ أَعُودُ إلى امرأَةٍ،‏
منذُ قُرونِ كانَتْ ترقبُني‏
تًتًهَيَّأُ للعشقِ،‏
الأحلامُ بخورٌ تَصَّاعَدُ مِنْ حَولِي،‏
وَتَدُورُ،‏
أرَى الطينَ يَفِيضُ،‏
الأشجارَ تَفِيضُ،‏
'لماذا يَلْتَفُّ على عُنُقي،‏
ثُعبَانُ الخَوف؟'‏
الآن أعودُ إلى أرضٍ،‏
كنتُ بِها أَتَنَاسَخُ‏
مَمْلَكَةً للعُشْبِ،‏
وللطيرِ،‏
فضاءاً للتحليقِ الأَبَديِّ،‏
تُراباً للعَصْفِ،‏
وللأمطارِ الحَمراءْ..‏
طَبْلٌ أَفْرِيقيٌّ،‏
يَتَقَلَّبُ تَحْتَ يَدَيَّ، ‏
يُدَمْدِمُ في رَأْسِي،‏
هذا العِطْرُ الغَامِضُ،‏
هذا اللونُ المُمْتَلِئُ،‏
الحَارْ..‏
تَعْرَى في الغاباتِ،‏
أَمِ الغاباتُ أمامَكَ تَعْرَى؟ ‏
ها هيَ ذِي تَفْتَتحُ الأبوابَ السريَّةَ،‏
للشمسِ الياقوتَةِ،‏
والأَدْغَالِ البِكْر،‏
ثِمارُ الغَيْبُوبَةِ تَسَّاقَطُ حولَكَ،‏
أَمْ جُدرانُ اليَقَظَهْ؟..‏
'فاطِمَةُ انتظري،‏
فاطِمَةُ اتَّزِنِي،‏
فاطِمَةُ....‏
النمرُ الرابِضُ في الأعماق،‏
يُغَطّيهِ الثلجُ'،‏
الغاباتُ.. الغاباتُ تُغَطيّكَ،‏
الجَسَدُ المُتَفَتتُ سَيْل مُخْتَلِطٌ،‏
والرؤيا رِيشُ يَتَطايَرُ،‏
'فَاطِمَةُ انتَبِهي،‏
فَاطِمَةُ....‏
الرقصُ الوحشيُّ السَاذَجُ،‏
يخطفُ خَطْوي،‏
وَيَخُضُّ الصمتَ'‏
الغاباتُ تَخُضُّ دِماكَ،‏
تَرَجِّعُ أَصداءَ رَنينِ الأَسرار،‏
وأَصواتِ المخلوقاتِ الجائِعَةِ الحَيَّةِ،‏
تَنْفُخُ فيِكَ،‏
طقوسَ السِّحْرِ الأَسْوَدِ،‏
والحَيَواتِ المُنْقَرِضَهْ
نافِذَةٌ للحلمِ،‏
نِدَاءُ ممالِكَ لم تُولَدْ بَعْدُ،‏
أَوَانٌ للفَرَقِ الفَاتِنِ،‏
هذا الجَسَدُ البَحْرُ،‏
الجَسَدُ ،‏
الغابَهْ...‏
بَوَّاباتُ البحرِ اغْتَسَلَتْ بالزَّبَدِ،‏
اتَّسَعَتْ لطيورِ الدَّهْشَةِ،‏
فادخُلْ،‏
وَافْتَرِسِ اللحظاتِ،‏
ابتَكِرِ الخُطواتِ الأُولى‏
جاءَ الموجُ،‏
أَمَا آنَ لوجهِكَ،‏
أَنْ يَنْفُضَ هذا العَلَقَ البريَّ،‏
لِصَوْتِكَ أَنْ يمرقَ،‏
مِنْ أَصْدَافِ الذكرى؟‏
جاءَتْ فاطمةُ،‏
الشمسُ،‏
الأمواجُ المُكْتَظَّةُ،‏
جاءَتْ فاطِمَةُ،‏
اللحظاتُ الشَرِسَهْ..‏
95 Total read