جبران خليل جبران

1883-1931

قل للذين طلوه - Poem by

قل للذين طلوه فزيفوه طلاء
تلك الجلالة كانت صدقا فصارت رياء
يا حائنين صباحا فبائدين مساء
وواردين المنايا في الأعجلين فناء
باي شيء إليكم ذاك الخلود أساء
أدمية في يديكم بالصبغ تعطي رواء
يا حسرة الفن ممن يسطو عليه ادعاء
ولا يرى الحسن إلا نظافة رعناء
وجدة تتشظى تلمعا وازدهاء
تفدي التلاوين أبقى ما كان منها حياء
وما عصى في سبيل الحصافة الأهواء
وما أتى وفق أسمى معنى أريد أداء
وما على متمنى سلامة الذوق جاء
يا كدرة حقروها إذ حولوها صفاء
وغبرة يكره الفن أن تكون نقاء
وصدأة يأنف الحسن أن تعود جلاء
ليس العتيق إذا جاد الجديد سواء
خمسون عاما تقضين ضحوة وعشاء
في صنع وشي دقيق لقين فيه العناء
واهي النسيل دقيق النسيح ما اللطف شاء
لكن متين على كونه يخال هباء
يزيده الدهر قدرا بقدر ما يتناءى
ويستعير لأبقى الفخار منه رداء
نظمنه لحمات وصغنه أسداء
والنور سخرن كيما يبدعنه والماء
والحر والبرد أعملن والثرى والهواء
حتى كسون حديد التمثال ذاك الغشاء
مزركشا برموز بديعة إيحاء
مما تخط المعالي على الرجال ثناء
غير الحروف رسوما وغيرهن هجاء
ما زلن يأبين إلا أولي النهى قراء
ذاك الغشاء وقد تم حسنه استيفاء
علا غلام إليه بمسحه سوداء
وجر جهلا على آية الجلال العفاء
فبينما النصب الفخم يبهج الحوباء
إذ عاد بالدهن والصقل صورة جوفاء
نضاحة ماء قار منفوخة كبرياء
ليلاء ترسل من كل جانب لألاء
كأنها لفتات التاريخ يرنو وراء
وليس يألو المداجين بيننا إزراء
نظرت والشعب يأسى والخطب عز عزاء
والفن يستنزف الدمع حرقة واستياء
ومصر فرعون من أوج مجدها تتراءى
غضبى تقبح تلك الأفعولة النكراء
فقلت للجهل والغم يفطر الأحشاء
يا قاتل الشرق بالترهات قوتلت داء
أمالئ الكون في وقته سنى وسناء
رب الكنانة محيي مواتها إحياء
أمضى مليك تولى إدارة وقضاء
وخير من رد بالعدل أرض مصر سماء
وكان صاعقة الله إن رمى الأعداء
وكان نوء الموالين رحمة وسخاء
يمد فدم إلى شخصه يدا عسراء
تكسوه حلة عيد والعز يبكي إباء
فبينما كان مرآه يبعث الخيلاء
إذا الجواد ورب الجواد بالهون باءا
في زينة لست تدري زرقاء أو خضراء
ترد هيبة ذاك الغضنفر استهزاء
أكبر بذاك افتراء على العلى واجتراء
ذنب جسيم يقل التأنيب فيه جزاء
من فعل زلفى على القطر جرت الأرزاء
واليوم تغسل أعلاقها البلاد بكاء
134 Total read