جابر قميحة

1934 / مصر

شيخ يحكي موت الفارس - Poem by جابر

'لا حولَ ولا قوة إلا بالله'
قد خضتُ زحوفًا مائةً
أو أكثرْ
ورويتُ سيوفي من دم ِّالأعداءْ
ورسمتُ برمحي ـ وبحقٍ ـ
خارطةَ الحربِ الشعواءْ
وفتحتُ ذراعي للموت الأحمرْ
حتى أصبحَ ما في جسمي
شبرٌ واحد
إلا وبه من حدِّ السيف كلومْ
أوأثر من طعنة رمحٍ نجلاءْ
وبه من أثر نصالِ القوم رسومْ
وأموتُ اليومَ
على فرشي كبعيرْ
لا ذاقتْ طعمَ النومِ
عيونُ الجبناءْ
لا ذاقت طعم النوم
عيون الجبناءْ
لا حول ولا قوة إلا بالله
قد نامت ـ وا أسفاهُ ـ
عيون الجبناء
فقلوبُهُمو تنبضُ من غير دماء
ما عاد بها غير هواءْ
وخُواء
واسترخاءْ
لكنَّ السهدَ يكحِّـل في المحرابِ
عيونَ رجالٍ
رصدوا أنفسَهم للهْ
حتى خرُّوا ـ من خشيتِهِ - للأذقانْ
لكنهمُو
ـ إن هتف السيفُ
ونادى الحتْـفُ ـ
رأيتَهمو أعتَى الفرسانْ
الشيخ الطيبُ
في ساحة جُرنِ القرية
يحكي القصة للبسطاءْ
'ياعجبا
ما مات فتى مخزوم في الميدانِ
بسبب جراح دامية حمراء
كانت تُحصى بالعشراتْ
في الصدر، وفي الجنبِ
وفي الكتفِ الأدماءْ
بل مات حزينَ النفسِ
كسيرَ القلبِ
كشأن الأبطال الفرسانْ
يبكون إذا لم يقضُوا في الميدان '
وتُمصُمصُ أفواه البسطاءْ
ويتمتم بعضهمو أشياءَ وأشياءْ
مبهمة لكنْ فيها نبْر رثاء
'خالدُ عاش مهيبًا
عاتي الزحف، ولا ألف لواءْ
حتى ما انكسرتْ رايتهُ
في أي لقاءْ
في يوم 'مسيلمة الكذاب'
كُسرت في يمناه سيوفٌ تسعةْ
حطمها في نحر الأعداءْ
وكثيرًا ما أحرز نصرًا تلوَ النصرْ
ـ لا بالسيفِ ولا بالرمحْ ـ
لكنْ يحرزه بالرعب الصامت
يكفي أن يعلم أعداء الإسلامِ
بأن القائدَ خالدُ لاغيرُهْ
فيخروا منهزمين خزايا
حقًا .. قد كان رسول الله على حقٍّ
إذْ لقَّـبهُ: سيفَ الله المسلول'
'الله .. اللهْ..
أكملْ يا سيدَنا الشيخَ
حديثُـك كالشهدِ المعسول'
في اليوم التالي
في الصُّـبْحة غيرِ الباكرةِ
رأيتُ الناس البسطاءَ
رجالَ الأمسْ
بعيون ناعسةٍ متثائبةٍ
يمضون إلى الحقلِ
لحصد القمح الكالح في عز الشمسْ
وحوارٌ بينهمو يتنقل ... يتثاءبْ
ـ عمن كان الشيخ يقول؟
ـ عن شخص .. يُدعى .. يُدعَى
.. إني ـ والله ـ نسيت
ـ عن شخص يبكي
إذ يلقى الموتَ على فرْشِهْ
ـ شيءٌ عجبٌ واللهِ
ـ كلٌ منا يتمنَّى
أن يَـلقى الموتَ على فرشِهْ
ـ بين الأهل وأولادِهْ
ـ قد ضيع منا
هذا الشيخُ السهرةَ أمسْ
ـ منُّـهْ لله
ـ قد ضيع مني فرصةَ عُمري
آخرَ حلقات التليفزيون
'سنبلُ بعد المليون'
ـ وأنا ضاعت مني
' فزُّورةُ شاريهانْ '
ـ شيخٌ ساذجْ
لا يعرف أن الوقتَ
ـ كما قالوا ـ
'من ذهبٍ'
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله
لا حول ولا قوة إلا باللهْ
115 Total read