«إهداء… إلى الشموع التي تحترق لتضيء»
مع الفجر، والفجرُ لا يشعرُ، مع الفجرِ، راقبتُها تعبرُ
على وجنتَيْها احمرارٌ يذوبُ، وفي مقلَتيْها، رؤىً تُنحرُ
إلى أينَ؟ قبل انبلاجِ الصباحِ.. إلى أين هذا السرَى المبكرُ؟
إلى أينَ.. مرتْ كرجعِ الصدَى يرددُهُ جبلٌ.. مشجرُ..؟
تخطى الطريقَ.. ومن لوعةٍ تكادُ، دموعُ الأسى تطفرُ
فقيلَ: لها في شقوقِ الخيامِ تلاميذٌ، من أجلِها بكروا
تعذبُ في البردِ أجسامَهمْ.. وأقدامُهم من دمٍ تقطرُ
تلاميذٌ.. كان لهم موطنٌ عزيزٌ.. بآبائهم.. يفخرُ..
أفاقوا على صرخةِ النائباتِ يرجعُها القدرُ المنذرُ
أفاقوا.. إلى حيثُ لا يعرفونَ، يضمُهم السبسبُ المقفرُ
لقد شاء هذا الزمانُ المشتُ بأن يُستثاروا، وأن يُقهروا
تلاميذٌ.. في عصفةِ الكارثاتِ على هجر أوطانهم أجبروا
إلى أن تلاقوْا.. هنا.. في الخيام، يضمُهم الهدفُ الأكبرُ
فقد علموا، من دروس الفتاةِ، بأنْ لا يَذلوا.. وأنْ يصبروا
تقولُ لهمْ، وهي تلقي الدروسَ، وأعينُهم نحوَها تنظرُ
أحبَّاءَ روحي.. لا تيأسوا، ولو شملَ العالَم المنكرُ
وكونوا كفجر الحياةِ الوضيء… يداعبُه الأملُ النيرُ
صغاري: غدٌ لكم، فاعملوا على خيرِ أوطانكم تنصروا
أحبَّاءَ روحي.. أنا شمعةٌ تضيءُ.. ولكِنَّها تصهرُ
تقولُ.. وأطفالُها ينصتونَ، وإن كرَّرتْ قولَها كرروا
ومرتْ شهورٌ.. ولم ألتقِ بها.. خلفَ نافذتي تعبرُ
فخاطبتُ روحي.. وساءلْتُها، ولا من جوابٍ لها يخبرُ
وساءلتُ عنها خيوطَ الضياءِ، ومن تحتَ لمحِ السرَى بكروا
وساءلتُ من روَّحُوا في المساءِ يهزُّهم.. الشفقُ.. الأحمرُ
وطوفتُ في أكهفِ اللاجئينَ.. عسى.. ولعلَّ.. بها أعثرُ
وساءَلتُ.. لم أستمعْ واحداً يقولُ: أجلْ.. إنني أذكرُ
إذاً.. ذهبتْ مثلَ ومض الضياءِ، لأن الفضيلةَ لا تعمرُ
تلاشَتْ كقطرةِ ماءٍ، هناكَ حوْتْها على رغمِها الأنهرُ
وغابَتْ وراءَ ظلامِ القبورِ كما يغربُ الأملُ المقمرُ
فعدتُ وليسَ سوى خيبةٌ ترامى حوالي.. أو تنشرُ
ومرت ليالٍ طوال.. هناك ومرَّتْ على موتِها أشهرُ
وغابتْ معلمةُ الناشئينَ وراءَ الظلالِ التي تقبرُ
ولكنَّها بقيتْ قصة.. على ثغرِ أطفالِها تذكرُ
أولئكَ مَن مِن قيودِ النفاقِ على الرغمِ من عصرِهم حُرِّروا
1950