فيصل خليل

1945 / سوريا

وجوه في الذاكرة - Poem by في

أنزلَ وجههُ عن الجدارْ
وكانَ جدُّهُ
وخلفهُ جماعةُ الثّوار
ينحتُ شاربينِ
مثل الليل
تحتَ أنفِهِ
وفمُهُ يقترحُ النَّهارْ
أنزلَ وجههُ
عن الجدارْ
أنزلهُ
وأنزلَ المزمارْ
والنَّبعَ
والحنطةَ
والحصانَ
والأشجارْ
أنزلَهُ
وغيَّر النَّبرةَ
والإيقاعَ
والحوارْ
وكلّما صادفَ
أن ألقى على مكانِهِ
نظرتَهُ
استدارْ
وأغلق البابَ على تألُّق الصَّهيلْ
ووطَّنَ النفس على الرّحيلْ
يريد أن تختفي الطيورُ
والأزهارُ
والأحجار
يريد أن يختفي النَّبيل
يريدُ أن يختفي الأصيلُ
والجميلْ
وكانَ كلَّ ليلةٍ
حين يعودُ خاسراً
يبصر عينينِ
على جدار

أخرجَ عينَ الماءْ
وأخرجَ الغيم الذي
يسبحُ في السماءْ
أخرجَ حرَّ الصَّيفْ
وشوقَهُ للضَّيفْ
أخرجَ من صندوقه القديمِ
ما خبَّأهُ
من صدفِ الطفولةْ
أخرجَ من دفترِهِ
أشجارهُ الجميلةْ
الشمسَ
والشُّرفةَ
والأشواقْ
وقمرَ الحبِّ الذي
لا يعرف المحاقْ
أخرجَ من دمائِهِ
عنترةَ العبسيّ
وعروةَ بن الوردْ
أخرجَ من دماغِهِ الطّائيَّ
وابن رُشدْ
أخرجَ من خيالِهِ
روايةَ القبيلةْ
وقصصَ الفرسانِ ، والعشّاق
أخرجَ ما لديهْ
كلَّ الذي يذكرُهُ
كلَّ الذي يحبُّهُ
أخرجَ وردَهُ ، ونارَهُ
أخرج كلَّ ناصعٍ
وطيِّبِ المذاقْ
وأسرعَ الخطا
إلى الأسواقُ

يُقسم من يراهْ
أنَّ الذي مرَّ أمَامهُ
سحابةٌ صيفيَّةْ
أو دميةٌ خرساءْ
أو
ورقٌ
يحملُهُ الهواء
ملتصقاً
بأيِّ حائطٍ
ولائذاً
بأيِّ شرفةٍ
يمشي وقد أسرعَ نبضُهُ
وارتعشت يداهْ
ولم يكن يسمعُ
ما تسمعُهُ أذناهْ
ولم يكن يُبصرُ
ما تُبصرُهُ عيناهْ
كانَ يداوي جُرحه بـ ' الآهْ '
وكلّما استعادَ ما رآهْ
أطبق جفنيهِ وقال
- لم أكنْ
كيف يكون حاضراً
من كانَ غائباً
أكانَ وحده ؟
ألم يكنْ سواهْ ؟
و
كانَ كلُّ خبرٍ يسمعُهُ
يبدأُ بالحديثِ عن طريقةٍ
للشَّكّ في رؤاهْ
وكانَ كلّما اشترى جريدةً
أبصَرَ نفسَهُ
يئنُّ في قيودِهِ
وتنزلُ السكّينُ في وريده
وتنزفُ الدمِّاءُ
من معناهْ

ضاقت به دروبُهُ الصغيرةْ
ضاقت به حارتُهُ
ولم يعد يعجبُهُ الفُستانُ
والصغيرةْ
يخرجُ من شمسٍ على التلالْ
ومن حصىً يلمعُ في النَّهرِ
ومن صفصافةٍ
توزّعُ الظلالْ
يخرجُ من سحابةٍ
تهدرُ في الوديانْ
ومن غروبٍ يرفع الأذانْ
يخرجُ من لطافةِ العشّاقْ
من رقَّةِ الوداعِ
أو
من فرحِ المشتَاق
غيرَّ جلدَهُ
ووضع القناعَ فوقَ وجهِهِ
وبدّل القمصان
وعرفَ السُّلمَ
والمكتبَ
والديوانْ
وقلم الحمرةِ
و' التايورَ '
والتسريحة القصيرة
وعبَرَ الشوارع الكبيرةْ
وكانَ.. كلَّما
أوغَلَ في خروجِهِ
أوغَلَ
في النسيان
124 Total read