إلياس أبو شبكة

1903 - 1947 / نيويورك

في ليلة تنهدت غلواء - Poem by إلياس

في لَيلَةٍ تَنَهَّدت غَلواءُ ........... وَالبَدرُ في مَخدعِها إِتاءُ
تَسيلُ مِنهُ فِضَّةٌ بَيضاءُ
فَأَرهَفَت مِسمَعَها المَطروقا ......... فَسَمِعَت تَنَهُّداً عَميقا
يَصدُر عَمّا يَنهَشُ العُروقا
وَأَرسَلَت نَظرَةَ بَرٍّ طاهِرِ .. فَها لَها في المَخدِع المُجاوِر
فَاِجرةٌ عَلى ذِراعِ فاجِرِ
ما أَنتِ يا وَردَةُ تِلكَ الوَرده . بَل انتِ من أَشواكها مُسَوَّدَه
أَميرَةَ الشَهوَةِ أَنتِ عَبدَه
أَيُّ خَيالٍ حَلَّ في غَلواءَ ........ أَيُّ رَوّى مُحرِقَةٍ سَوداءَ
تَعَلَّقَت أَجفانَها العَذراءَ
فَهرَّبت الى ضِفافِ البَحرِ ..... وَطَوَّفت بَين بَقايا الدَهر
من خِربَةٍ لرجمةٍ لِقَبرِ
وَكانَت المِياهُ وَالصُخورُ ........... قائِمَةً ما بَينَها القُبورُ
حَتّى السُكونُ حَولَها مَسحورُ
وَالمَوجُ بَعدَ الموجِ كَيفَ ذابا .. مُستَسلِما عَلى الحَصى مُنسابا
يقبِّلُ القُبورَ وَالتُرابا
كَأَنَّهُ جَمعٌ من العَذارى ...... أَو ذِكرَياتُ عاشِق تَوارى
تَهمِسُ في أُذنِ الرَدى أَسرارا
وَلِلمِياهِ زَبدٌ كَثيفُ ................ يُنسَجُ مِنه كَفَنٌ خَفيفُ
عَلَيهِ من نور الدُجى حُروفُ
وَسَمِعَت غَلواءُ طَيرَ البومِ . يَنعَقُ كالشُؤمِ عَلى الرُسومِ
مُدَنِّساً نَقاوَةَ النَسيمِ
وَاِستَيقظت في نَفسِها المَحمومَه . من وَردَةَ الحَبيبَةِ الأَثيمَه
صارِخَةً أخيِلةُ الجَريمَه
وَدبَّ في أَعضائِها النَحيفَه .......... قَفقَفَةٌ وَرِجفَةٌ عَنيفَه
حُمّى سَرَت في جِسمِها خَفيفَه
وَاِستَفحَلَت كَالشَرِّ حينَ يَبدَأ ....... فَهوَ صَغيرٌ إِنَّما لا يَفتَأ
حَتّى يَصيرَ نَقمَةً لا تَبرَأ
وَمَرَّت الأَيّامُ وَاللَيالي ............ سَوداءَ بِالفِتنَةِ وَالجَمالِ
فَأَصبَحت غَلواء كَالخَيالِ
وَبَرَزَت عِظامُها في الجِسمِ ... مُصطَفَّةً عَظماً إِزاءَ عَظمِ
كَأَنَّها أَقلامُ الاِعتِلالِ ............ تَكتُبُ في صَحيفَة الآجالِ
وَسالَ في وَجنَتِها الذُبولُ ............ كَنِجمَةٍ هَمَّ بِها الأُفولُ
وَاِمتقَعَ الجَبينُ بِاِصفِرارِ ................ كَأَنَّهُ أَواخِرُ النَهارِ
في لَيلَةٍ شَديدَة الغُسوقِ ......... تَذكَّرت حَياتها في الزوقِ
وَذَكَرَت مَواكِبَ الضَبابِ ...... تَمتَدُّ كَالحُلمِ عَلى الهِضابِ
وَالشَجَرَ الأَخضَرَ وَالسَنابِلا ........ تَبسُطُ لِلطَبيعَةِ الأَنامِلا
وَذَكرت أَخيَلَة المساءِ ......... وَرَنَّةَ الأَجراسِ في الهَواءِ
وَدَوحَةَ الكَنيسَةِ الحَقيرَه.......... وَبابَها الصَغيرَ وَالفَقيره
وَصُفرَةَ الشَمسِ عَلى الجِبالِ .. وَلِعِبَ الاطفالِ في الظِلالِ
وَاِحتَشَدت أَخيلَةُ التِذكارِ ...... تَطوفُ أَسرابا عَلى الجِدار
وَجَحَظَت في صَدرِها الآلامُ ...... كَجِفنِها المَحمومِ لا تَنامُ
وَحَبَكَت في مُقلَتَيها الحُمّى ....... بِقَلبِها العَفيفِ ذاكَ الإِثما
وَاِنتَقَل الإِثمُ بِها اِنتِقالَه ........... أَجرَت عَلى خَيالَها خَيالَه
فَعَظُمَ الوَهمُ وِفي الأَوهامِ ........ أَفتَكُ بِالعَقلِ من السِرسامِ
وَقامَ في أَحلامِها المُعَذَّبَه ......... رُؤيا كَأَنَّما هيَ المُرتَكِبَه
107 Total read