خيول الريح تصهل و المرافىء يلمس الغرب
صواريها بشمس من دم و نوافذ الحانة
تراقص من وراء خصاصها سرج و جمع نفسه الشّرب
بخيط من خيوط الخوف مشدودا إلى قنينة و يمدّ آذانه
إلى المتلاطم الهدّار عند نوافذ الحانة
و حدّث و هو يهمس جاحظ العينين مرتعدا
يعبّ الخمر شيخ عن دجى ضاف و أدغال
تلامح وسطها قمر البحيرة يلثم العمدا
يمسّ الباب من جنبات ذاك المعبد الخالي
طواه الماء في غلس البحيرة بين أحراش مبعثرة و أدغال
هنالك قبل ألف حين مج لظاه من سقر
فم يتفتّح البركان عنه فتنفض الحمّى
قرارة كل ما في الواد من حجر على حجر
تفجّر باللظى رحم البحيرة ينثر الأسماك و الدم مرغيا سمّا
وقر عليه كلكل معبد عصفت به الحمّى
تطفّأ في المباخر جمرها و توهج الذّهب
ولاح الدرّ و الياقوت أثمارا من النور
نجوما في سماء تزحف دونها السّحب
تمرغ فوقها التمساح ثم طفا على السّور
ليحرس كنزه الأبدي حتى عن يد الظلماء و النور
و أرسى الأخطبوط فنار موت يرصد البابا
سجا في عينه الصوراء صبح كان في الأزل
تهزّأ بالزمان يمرّ ليل بعد ليل و هو ما غابا
ففيم غرور هذا الهالك الإنسان هذا الحاضر المشدود بالأرجل ؟
أعمّر ألف عام ؟ ليته شهد الخلائق و هي تعبر شرفة الأزل
ألا يا ليته شهد السلاحف تسحق الدّنيا
قياصرها و يمنع درعها ما صوّب الزمن
إليها من سهام الموت
لكنّ الذي يحيا
بقلب يعبر الآباد يكسر حدّه الوهن
فيصمت عمره أزل يمس حدوده أبد من الأكوان في دنيا
هنالك ألف كنز من كنوز العالم الغرقى
ستشبع ألف طفل جائع و تقيل آلافا من الداء
و تنقذ ألف شعّب من يد الجلاّد لو ترقى
إلى فلك الضمير
أكل هذا المال في دنيا الأرقاء
و لا يتحررون ؟ و كيف و هو يصفّد الأعناق
يربطها إلى الداء
كأن الماء في ثبج البحيرة يمنع الزّمنا
فلا يتقحم الأغوار لا يخطو إلى الغرف
كأن على رتاج الباب طلسمه فلا وسنا
ولكن يقظة أبد و لا موت يحدّ حدود ذاك الحاضر الترف
كأن تهجّد الكهّان نبع في ضمير الماء يدفق منه للغرف
إذن ما عاد من سفر إلى أهليه عوليس
إذن فشراعه الخفاق يزرع فائر الأمواج
بما حسب الشهور وعدّ حتى هدّه البؤس
فيا عوليس شاب فتاك مبسم زوجك الوهّاج
غدا حطبا ففيم تعود تفري نحو أهلك أضلع الأمواج
هلم فماء شيني في انتظارك يحبس الأنفاس
فما جرحته نقرة طائر أو عكرته أنامل النّسم
هلم فانّ وحشا فيه يحلم فيك دون الناس
و يخشى أن تفجّر عينه الحمراء بالظلم
و أن كنوزه العذراء تسأل عن شراعك خافق النسم
أما فجعتك في طروادة الآهات من جرحي
و محتضرين
يا لدم أريق فلطّخ الجدران
وردّ ترابها الظمآن طينا ردّه جرحا
كبيرا واحدا جرحا تفتح في حشا الإنسان
ليصرخ بالسماء
فيا لصوت ردّدته نوافذ الحجرات و الجدران
لأجل فجور أنثى و اتّقاد متوّج بالثار
تخصب من دم المهجات حتى سلّم الأفق
وحل بلا أوان يومنا و تساوت الأعمار
كزرع منه ساوى منجل
وهناك في الشفق
تنوح نساؤنا المترمّلات يولول الأطفال عند مدارج الأفق
هلم فقد شهدت كما شهدت دما و أشلاءا
تفجّر في بلادي قمقم ملأته بالنار
دهور الجوع و الحرمان
أي خليقة قاءا ؟
رأينا أنّ أفئدة التتار و أذؤب الغار
أرقّ من الرعاع القالعين نواظر الأطفال و الشاوين بالنار
شفاه الحلمة العذراء
يا نهرا من الحقد
تدفّق بالخناجر و العصي بأعين غضبى
نجوما في سماء شدها قابيل بالزند
فليتك حين هزّ الموصل الأعصار ( لا دربا
و لا بيتا و لا قبرا نجا فيها ) شهدت الأعين الغضبى
و ليتك في قطار مر حين تنفس السحر
فقصّ على سرير السكة الممدود أمراسا
تعلق في نهايتهنّ جسم يحصد النّظر
عليه الجرح بعد الجرح بعد الجرح أكداسا
ليهوي جسم حفصة لابسا فوق النجيع دما
و أمراسا
و فيم نخاف في ثبج البحيرة أو حفافيها
كواسج ضاريات أو تماسيح التظت لهبا
نواجذها الحديدة فيم تخشى كل ما فيها
فإن عقارب الرقّاع يضمر سمّها العطبا
وتزرع في الجسوم أزاهر الدم و الجراح بلا دم لهبا
هلم نشقّ في الباهنج حقل الماء بالمجذاف
و ننثر أنجم الظلماء نسقطها إلى القاع
حصى ما ميزته العين فيروزه الرفّاف
و لؤلؤه المنقّط بالظلام
سنرعب الراعي
فيهرع بالخراف إلى الحظيرة خوف أن يغرقن في القاع
هلم فليل آسية البعيد مداه يدعونا
بصوت من نعاس من ردى من سجع كهان
هلمّ فما يزال الدهر بين أيدينا
لنطو دجاه قبل طلوع شمس دون ألوان
تبدد عالم الأحلام تخفت إذ يرن التبر فيها
سجع كهان
**
يجول التبر فيها مثل وحش يأكل الموتى
و يشرب من دم الأحياء يسرق زاد أطفال
ليتقد اللظى في عينه ليعيره صوتا
يحطّم صوت كل الأنبياء هناك
يا لرنين أغلال
و يا لصدى من الساعات بالأكفان مسّ رؤوس أطفال
وفلّ عناق كل العاشقين و دسّ في القبلة
مدى من حشرجات الموت ردّ أصابع الأيدي
أشاجع غاب عنها لحمها و ستائر الكله
يحوّلها صفائح تحتها جثث بلا جلد
هلمّ فبعد ما لمح المجوس الكوكب الوهّاج تبسط نحوه الأيدي
و لا ملأت حراء و صبحة الآلات و السّور
هلمّ فما يزال زيوس يصبغ قمّة الجبل
بخمرته و يرسل ألف نسر نز من أحداقها الشرر
لتخطف من يدير الخمر يحمل أكؤس الصهباء و العسل
هلمّ نزور آلهة البحيرة
ثم نرفعها لتسكن قمّة الجبل