أنسي الحاج

1937-2014 / لبنان

ماذا صنعتَ بالذّهب ، ماذا فعلتَ بالوردة - Poem by أنسي الحاج

قولوا هذا موعدي وامنحوني الوقت
سوف يكون للجميع وقت، فأصبروا
إصبروا عليَّ لأجمعِ نثري
زيارتُكم عاجلة وسَفَري طويل
نظرُكم خاطف وورقي مُبعْثَر
محبّتُكم صيف وحُبّيَ الأرض
مَن أُخبر فيلدني ناسياً
إلى مَن أصرخ فيُعطيني المُحيط؟
صــار جسدي كالخزف ونزلتُ أوديتي
صـارت لغتي كالشمع وأشعلتُ لغتي
وكنتُ بالحبّ.
لامرأةٍ أنهَضتُ الأسوار فيخلو طريقي إليها
جميلةٌ كمعصيةٍ وجميلةٌ
كجميلة عارية في مرآة
وكأميرةٍ شاردة ومُخمَّرة في الكرْم
ومَن بسببها أُجليتُ وانتظرتُهاعلى وجوه المياه
جميلةٌ كمَركب وحيد يُقدّم نفسه
كسريرٍ أجده فيُذكّرني سريراً نسيتُه
جميلةٌ كنبوءة تُرْسَل الى الماضي
كقمر الأغنية
جميلةٌ كأزهارٍ تحت ندى العينين
كسهولة كلّ شيء حين نُغمض العينين
كالشمس تدوس العنب
كعنبٍ كالثّدْي
كعنبٍ ترْجع النارُ عليه
كعروسٍ مُختبئة وراء الأسوار وقد ألقتْ عليَّ الشهوة
جميلةٌ كجوزةٍ في الماء
كعاصفةٍ في عُطلة
جميلةٌ أتتني
أتت إليّ لا أعرف أين والسماء صحو
والبحر غريق
من كفاح الأحلام أقبلتْ
من يَناع الأيّام
وفاءً للنذور ومكافأةً للوَرد
ولُمّعتُ منها كالجوهرة
سوف يكون ما سوف يكون
سوف هناك يكون حُبّنا
أصابعه مُلتصقة بحجار الأرض
ويداه محفورتان على العالم
أُنقلوني الى جميع اللّغات لتسمعني حبيبتي
أُنقلوني الى جميع الأماكن لأحْصرَحبيبتي
لترى أنّني قديمٌ وجديد
لتسمَعَ غنائي وتُطفىء خوفي
لقد وَقعْتُها وتهتُها
لقد غِرْتُها
أعيروني حياتكم لأنتظر حبيبتي
أعيروني حياتكم لأُحبّ حبيبتي
لأُلاقيها الآن والى الأبد
لَكُم أنتم لتدقَّ الساعات
من سراجكم ليؤخذْ نور الصباح
فأنا بريءٌ وحبيبتي جاهلة
آه ليُغدَق علينا
لنُوفَّرْ لنُجْتنَبْ
وليُغدَقْ علينا
فحُبّي لا تكفيه أوراقي وأوراقي لا تكفيها أغصاني
وأغصاني لا تكفيها ثماري وثماري هائلةٌ لشجرة
أنا شعوبٌ من العُشّاق
حنانٌ لأجيالٍ يقطر منّي
فهل أخنق حبيبتي بالحنان وحبيبتي صغيرة
وهل أجرفها كطوفانٍ وأرميها؟
آه من يُسعفني بالوقت من يُؤلّف ليَ الظلال مَن يوسّع الأماكن
فإنّي وجدتُ حبيبتي فلِمَ أتركها
ما صَنَعَتْ بيَ امرأةٌ ما صنعتِ
رأيتُ شمسكِ في كآبة الروح
وماءكِ في الحُمّى
وفمكِ في الإغماء
وكنتِ في ثيابٍ لونُها أبيض
لأنّها كانت حمراء
وأثلجَتْ
والثلج الذي أثلجت كان أحمرَ
لأنّكِ كنتِ بيضاء
ورَدَدْتِ عليَّ الحُبّ حتّى
لا أجد إعصاراً يطردكِ
ولا سيفاً
ولا مدينةً تستقبلني من دونكِ
هذا كُلّه
جعلته في ندَمي
هذا كُلّه جعلْته في أخباري
هذا كُلّه جعلْته في فضاءٍ بارد
هذا كُلّه جعلْته في المنفى
لأنّي خسرْتكِ
إذ ملأتُ قلبي بالجنُون وأفكاريَ بالخُبث
فكتمتِ وانفصَلتِ
وكنتُ أظنّكِ ستصرخين وتبكين وتُعاودين الرضى
ولكن كتمتِ وانفصَلتِ
وكنتُ أظنّكِ ستعرفين أنّ نفسيَ بيضاء برغم الشرّ
وأنّي لعباً لعبتُ وحماقتي طاهرة
وكنت أظنّ أنّكِ وديعةٌ لتغفري لي
أنّكِ وديعةٌ لأفعل بكِ كالعبيد
وكنتُ أظنّ أنّي بفرحٍ أظلمكِ وبفرحٍ تتنفّسين ظلمي
وكنتُ أظنّ أنّي ألدغكِ فتتّسع طمأنينتي
وأنقضكِ كالجدار فَتَعْلَقين كالغبار بأطرافي
لكنّي ختمتُ الكلام وما بدأتُه
وأتفجّع عليكِ لأنّي لم أعرف أنْ أكون لكِ حُرّاً
ولا عرفتُ أنْ أكون كما تكون اليد للزهرة
فكنتُ مغنّياً ولكِ ما غنّيت
ومَلِكاً وأنتِ لم أملك
وأُحبّكِ
وما أحببتكِ إلاّ بدمار القلب وضلال المنظر
وأُحبّكِ
وطاردتكِ حتّى أشاهد حُبّكِ وهو نائم
لأعرف ماذا يقول وهو نائم
فحمَله الخوف وروّعه الغضب
وهرب الى البُرج عالياً
كاتماً قد انفصل
وأنا في جهلي أطوف وفي حكمتي أغرق
على موضعٍ أدور على موضعٍ أهدأ
وحُبّكِ يقظان وجريح وراء الأسوار
وحُبّي بارّ بعد الأوان
نارُ البِرّ تأكله بعد الأوان
أحفظُ مظالمي وأعطي مبرّاتي
أحفظُ مظالمي فمن يُعطيني مظالمه
ومن يأخذ مبرّاتي ويُعطيني الرجاء
لأنّي لم أعد ألمح نوراً في الغابة
تذهب الريحُ بالثلج وبالثلج تعود
جسدي كالخزف ولُغتي كالشمع
إتّخذتُ آفاقاً عظيمة وجعلتُها حفراً
إتّخذتُ اللّيل فأطفأتُه والنهار فأسلمتُه
إتّخذتُ الأكاليل فاحتقرتُها
إتّخذتُ الحُبّ فكسرتُه
إتّخذتُ الجَمال وكرَجلٍ أفقرْتُه
إتّخذتُ الحُبّ
إتّخذتُ الحُبّ الشبيه ببَرّ لا يحدّه ماء
الشبيهَ بمياهٍ لا تحدّها برّيّة
إتّخذتُ الحُبّ عوضَ كُلّ شيء مكانَ كُلّ مكان
بدَلَ الجوهر ومحلَّ الشرّ والخير
أخذتُه أخذتُ الحُبّ وشكاني
الذين صاروا في فاقة
وتعالت جُفونهم الذين حسدوني
ونهش ضحكهم الهواء الذين تهكّموني
فماذا صنعتُ بالحُبّ
وأخذتُ ذهَبَ النساء وردةَ الذهب
فماذا صنعتُ بالذهب وماذا فعلتُ بالوردة؟
أُنقلوني الى جميع اللّغات لتسمعني حبيبتي
ثبِّتوها على كُرسيّ وجِّهوا وجهها إليّ
أمسكوا رأسها نحوي فتركض إليّ
لأنّي طويلاً وبّختُ نفسي ويأسي قد صار مارداً
أطيعي دمعكِ يا حبيبتي فيُطرّي الحصى
أطيعي قلبكِ فيُزيلَ السياج
ها هو العالم ينتهي والمُدنُ مفتوحةٌ المُدنُ خالية
جائعةٌ أنتِ وندَمي وليمة
أنتِ عطشانة وغُيومي سودٌ والرياح تلطمني
العالمُ أبيض
المطرُ أبيض
الأصواتُ بيضاء
جسدُكِ أبيض وأسنانُكِ بيضاء
الحبرُ أبيض
والأوراقُ بيضاء
إسمعيني اسمعيني
أُناديكِ من الجبالِ من الأودية
أُناديكِ من أعباب الشجرِ من شفاه السحاب
أُناديكِ من الصخر والينابيع
أُناديكِ من الربيع الى الربيع
أُناديكِ من فوق كُلّ شيء من تحت كُلّ شيء ومن جميع الضواحي
إسمعيني آتياً ومحجوباً وغامضاً
إسمعيني اسمعيني مطروداً وغارباً
قلبيَ أسوَدُ بالوحشة ونفسيَ حمراء
لكنَّ لوحَ العالم أبيض
والكلمات بيضاء
167 Total read